ربما يتهيأ الواحد منا خمسين سنة للموت و لا
يصح له تهيؤ إنما التهيؤ لمن زهد في الدنيا كعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فإنه كان
يقول للموت كل يوم صباحا و مساء يا ملك الموت خذني أي وقت شئت ا ه، و من أدلة
القوم في هذا الخلق قوله صلى اللّه عليه و سلم: [اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل
هرمك و صحتك قبل سقمك و غناك قبل فقرك و فراغك قبل شغلك و حياتك قبل موتك] ا ه
فاعلم ذلك يا أخي و انتبه لنفسك، و الحمد للّه رب العالمين.
قبول النصح
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
أنهم لا ينصحون و يوصون إلا من علموا منه بالقرائن قبول النصح و الوصايا منهم، و
أما من علموا منه أنه تتحرك نفسه إذا نصحوه نحو ذلك فالأولى الإعراض عنه و تأخير
ذلك حتى يجد أحدهم طريقا شرعيا يدخل إليه منها، و كان حامد اللفاف رحمه اللّه
تعالى يقول: لا تنصح أحدا إلا إن علمت منه القبول و إلا فر بما أعقبك ذلك النصح
ضررا لا تطيقه، و إياك أن تطلب الرياسة على أحد في هذا الزمان فإن كل أحد قد عد
نفسه أبا فلان، و إياك أن تقتدي بكل أحد فإن الأهواء قد انتشرت انتشارا عظيما و
إياك أن تفشي سرك إلى أحد فإن الأمانة قد ارتفعت.
(قلت) و قد صدق رحمه اللّه فإنه وقع لي أن نصحت شيخا من مشايخ العصر
بأنه لا يأكل من بيوت الظلمة و كان ذلك بيني و بينه فمكث سبع عشرة سنة لا يكلمني و
ما صالحته إلا بجهد عظيم، فكيف حالي معه لو كانت نصحته في الملأ لعله كان يسعى في
قتلي، فاعلم ذلك يا أخي و اعرف زمانك و انصح إخوانك بسياسة، و الحمد للّه رب
العالمين.
تقليل الأعمال
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
تقليل أعمالهم في عيونهم من حيث كسبهم لها و لو كانوا على عبادة الثقلين فكانوا لا
يرون أنهم قاموا بذرة واحدة من حقوق اللّه عز و جل، و قد قام رسول اللّه صلى اللّه
عليه و سلم حتى تورمت قدماه الشريفان و قطر منهما الدم، فقالوا له: تفعل ذلك يا
رسول اللّه و قد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر، فقال: [أفلا أكون عبدا
شكورا] و قد كانت امرأة مسروق رحمهما اللّه تقول: كان مسروق رحمه اللّه يصلي حتى
تنتفخ ساقاه من طول القيام حتى كنت أجلس خلفه أبكي رحمة له، و كان الحسن البصري
رحمه اللّه تعالى يقول: لقد أدركت أقواما كان أحدهم أشح على دينه و عمره من