و قد سئل سفيان الثوري عن فضل الصف الأول
فقال: انظر رغيفك من أين هو فكله وصل في أي صف شئت و لا حرج عليك، و كان عبد اللّه
بن عباس رضي اللّه عنهما يقول: لا يقبل اللّه صلاة العبد و في جوفه شيء من الحرام،
و كان السري السقطي رحمه اللّه تعالى يقول: النجاة في ثلاث سبيل الهدى و كمال
التقى و طيب الغذاء.
و كان وهيب بن ورد رحمه اللّه تعالى يقول: لو صمت و صليت حتى صرت مثل
هذه السارية ما ينفعك ذلك إلا بعد أن تنظر ما يدخل جوفك و اعلم أن دليل القوم في
هذا الخلق قوله تعالى: [كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ
اعْمَلُوا صالِحاً][1] و هو خطاب للرسل، و قد صرح في الحديث بأن اللّه تعالى أمر المؤمنين
بما أمر به المرسلين ا ه، و من أدلتهم أيضا ما ورد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و
سلم قال: [لا يكتسب عبد مالا من حرام فيبارك له فيه و لا يتصدق منه فيؤجر عليه و
لا يتركه خلف ظهره إلا كان دافعا له إلى النار، إن اللّه لا يمحو السيئ بالسيئ و
لكن يمحو الخبيث بالطيب] ا ه.
فانظر يا أخي إلى طعامك في هذا الزمان و عليك بالجوع المفرط و إياك
أن تأكل من طعام أمير أو مباشر أو قاض فضلا عن أطعمة الظلمة و المكاسين من غير
تفتيش فإنك تهلك في دينك و لو كان على رأسك عمامة صوف و جبة و لك عذبة، فافهم و
الحمد للّه رب العالمين.
كثرة الوصايا
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الوصايا من بعضهم لبعض و قبولهم المواعظ و شكرهم الواعظ و عدم رؤية أحدهم في
نفسه أنه قام بواجب حق من نصحه و لو أحسن إليه مدى الدهر، و ذلك لأن الأمور
الأخروية لا تقابل بالأعراض الدنيوية و قد قال رجل للحسن البصري رحمه اللّه تعالى:
أوصني، فقال له: أعز أمر اللّه حيثما كنت يعزك اللّه حيثما كنت، و قال رجل لعمر بن
عبد العزيز رحمه اللّه تعالى: أوصني، فقال له: احذر أن تكون ممن يخالط الصالحين و
لا ينتفع بهم أو يلوم المذنبين و لا يجتنب الذنوب أو ممن يلعن الشيطان في العلانية
و يطيعه في السر.
و قال رجل للفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى: أوصني، فقال له: هل مات
والدك؟
قال: نعم، فقال له: قم عني فإن من يحتاج إلى من يعظه بعد موت والده
لا تنفعه موعظة، و قال رجل لمحمد بن واسع رحمه اللّه: أوصني، فقال له: كن ملكا في
الدنيا و الآخرة، قال: