لحيتك، فقال له: إني إذا لفارغ القلب، و قيل
لإبراهيم بن أدهم رحمه اللّه تعالى يقول: ربما أريد أن أغسل ثوبي فأفكر في قلبي
فأتركه، و كان يغسل ثوبه بالأشنان فقط دون الصابون، و كان مالك بن دينار رحمه
اللّه تعالى لا يزيد على العباءة صيفا و شتاء ليلا و نهارا، و كان أبو إسحاق
السبيعي رحمه اللّه تعالى يقول: كانت طيالس الناس قعر بيوتهم و لم يكن يلبس
الطيلسان على عمامته إلا شهر بن حوشب فقط رحمه اللّه، و قد كان أنس بن مالك رضي
اللّه عنه يقول: ما شبهت الناس اليوم في المساجد و عليهم الطيالسة إلا بيهود خيبر
اه.
(قلت) المطلوب من الطيلسان على الرأس إنما هو كف النظر عن فضول النظر
للحيطان و غيرها، و ليس هو بكبير أمر و إنما الشأن أن يلبس على قلبه طيلسانه يمنعه
أن يمد بصره إلى شيء من شهوات الدنيا، قال تعالى:
[لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ][1]، و لكل مقام رجال و اللّه أعلم، و قد كان عروة بن الزبير رضي اللّه
عنهما يقول: رأيت رداء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الذي كان يخرج به إلى
الوفود طوله أربعة أذرع و عرضه ذراعان و شبر فكان عند الخلفاء بعده صلى اللّه عليه
و سلم حتى خلق كانوا يلبسونه يومي العيدين، و كان مالك بن دينار رحمه اللّه يقول:
يا قارئ مالك و للطيلسان إنما ينبغي لك مدرعة صوف و عصا كراع تفر من اللّه إلى
اللّه و تشوق إخوانك إلى اللّه، و قد كان يوسف بن أسباط رحمه اللّه تعالى يقول:
رأيت سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى في طريق مكة فقومت ما عليه من الثياب حتى نعله
فوجدت ذلك يساوي درهما واحدا أو أربع دوانق، و اعلم يا أخي أن دليل القوم في هذا
الخلق قوله صلى اللّه عليه و سلم: [البذاذة من الإيمان] و البذاذة لبس الخلق من
الثياب فلا يبالي الشخص بأي ثوب لبس، و الحمد للّه رب العالمين.
عدم الإسراف
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
عدم إسرافهم في الحلال إذا وجدوه و ذلك لأن الحلال غريب في كل زمان بحسب تفاوت
أهله في المقام، فربما كان حلالا عند قوم و غير حلال عند قوم آخرين و قد كان السلف
يقدمون كسف الدراهم الحلال على سائر مهماتهم و ذلك لأنهم من أبناء الآخرة بيقين، و
الأعمال الأخروية الخالصة لا تقع إلى على يدي من أكل حراما أو شبهات، فإن من أكل
حراما نشأ عنه فعل الحرام و من أكل شبهة نشأ عنه فعل الشبهة حتى لو أراد من أكل الحرام
أن يطيع اللّه لما قدر على ذلك.