و من أدلة القوم في هذا الخلق ما ورد أن
رجلا قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إني أحبك يا رسول اللّه، فقال له النبي
صلى اللّه عليه و سلم: [إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا فإن الفقر أسرع إلى من
يحبني من السيل إلى منتهاه]، و قد كانت عائشة رضي اللّه عنها تقول: ما زالت
الدنيا علينا عسرة كدرة حتى قبض النبي صلى اللّه عليه و سلم فصبت علينا الدنيا صبا
أي لأنا كنا ببركته صلى اللّه عليه و سلم في حماية من الدنيا فلما توفى النبي صلى
اللّه عليه و سلم ذهبت تلك الحماية و دخل علينا النقص، و قد سمعت سيدي عليا الخواص
رحمه اللّه تعالى يقول: إذا ترقى العبد في مقامات العرفان صارت الدنيا تزداد منه
نفرة و لو أنه طلبها لما أجابته و ذلك لعدم رؤيتها محلا من قلبه تمكث فيه ا ه،
فعلم أن من علامة من ادعى الفقر كذبا أن يزداد من أمتعة الدنيا و زينتها كلما طعن
في السن، فاعلم ذلك و الحمد للّه رب العالمين.
شدة الفرح
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
شدة الفرح في الدنيا كلما حيل بينهم و بين الوصول إلى شهواتهم فيها، فيقولون: لو
لا أن اللّه تعالى يحبنا ما حال بيننا و بين ما يحجبنا عنه، و كان مالك بن دينار
رحمه اللّه تعالى يقول: قال لي معلمي عبد اللّه الرازي رحمه اللّه تعالى إن أردت
القرب من اللّه تعالى فاجعل بينك و بين الشهوات حائطا من حديد، و قد أوحى اللّه
تعالى إلى داود عليه الصلاة و السلام حرام علي قلب أحب الشهوات أن أجعله إماما
للمتقين.
و كان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى يقول: أميتوا الشهوات في
أنفسكم و لا تميتوا أنفسكم في الشهوات، فإن من جعل شهوته تحت رجليه فر الشيطان من
ظله كما أن من جعلها في قلبه ركبه الشيطان فصرفه كيف شاء بتسليط اللّه تعالى، و قد
كان عيسى عليه الصلاة و السلام يقول: الجنة ترجع بجملتها إلى شيئين الراحات و
الشهوات و لا يدخل أحد الجنة إلا بترك الراحات و الشهوات في الدنيا.
و كان عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما يقول: سيأتي على الناس زمان
يكون همة أحدهم بطنه و دينه هواه و سيفه لسانه، و كان الحسن البصري رحمه اللّه
تعالى يقول:
ليست الدابة الجموح بأحوج إلى اللجام من نفسك.
و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: ما عالجت شيئا أشد من
نفسي مرة معي و مرة علي، و كان يقول: كفوا أنفسكم عن الشهوات قبل أن يخاصم بعضكم
بعضا، و من