الخروج على الأئمة و هذا في مقام الكمال
للإمام، و اعلم أن دليل القوم في عدم الادخار ما روى أن شخصا أهدى إلى رسول اللّه
صلى اللّه عليه و سلم ثلاث طوائر فأطعم خادمه طائرا منها فلما كان الغد أتته بها
فقال صلى اللّه عليه و سلم: [ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد فإن اللّه يأتي برزق كل
غد] ا ه.
فامتحن نفسك يا أخي لعدم ادخار شيء لغد فإن رأيتها مضطربة فقل لها
ليس لك في مقام الصالحين نصيب، و الحمد للّه رب العالمين.
شدة البلاء
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
اختيارهم شدة البلاء على النعمة و الرخاء لأن بذلك يدوم توجههم إلى اللّه تعالى، و
من أحب اللّه أحب ما يقربه إليه و يذكره به، و كان وهب بن منبه رحمه اللّه تعالى
يقول: من لم يعد البلاء نعمة و الرخاء مصيبة فليس هو بفقيه، و قد دخل جماعة على
مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى و هو جالس في بيت مظلم و في يده رغيف فقالوا له يا
مالك ألا سراج ألا شيء تضع عليه الرغيف، فقال: دعوني فإني و اللّه نادم على ما
مضى.
و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: من وسع اللّه عليه في
الدنيا و لم يخف أن يكون ذلك مكرا به فقد أمن مكر اللّه تعالى، و كان أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول:
من وجد كل ليل كسرة يابسة يأكلها فليس بفقير، إنما الفقير من لم يجد
شيئا، و قد كان الربيع بن أنس رحمه اللّه تعالى يقول: إن البعوضة تحيا ما جاعت
فإذا شبعت سمنت و إذا سمنت ماتت، و كذا ابن آدم إذا امتلأ من الدنيا مات قلبه، و
كان حفص بن حميد رحمه اللّه يقول: أجمع العلماء و الفقهاء و الحكماء و الشعراء على
إن كمال النعيم في الآخرة لا يدرك إلا بنقص النعيم في الدنيا اه.
و اعلم أن من أدلة القوم على هذا الخلق ما ورد أن رسول اللّه صلى
اللّه عليه و سلم قال: [كيف أنعم و صاحب الصور قد التقمه و أصغى بسمعه و حتى
بجبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ] ا ه، فعلم أن الكاملين ينظرون إلى أهوال القيامة من
هذه الدار فذلك هو الذي منعهم لذة الأكل و الشرب و النوم و الجماع و غير ذلك،
فانهم و الحمد للّه رب العالمين.