فالمحب للّه: قد جعل ذكر اللّه تعالى، بقلبه
و لسانه، فرضا على نفسه، فهو يتفرغ من الغفلة و يستغفر منها، و كذلك جوارحه: إنما
هي وقف لخدمة من أحبه.
فهو: غير ساه، و لا لاه، و إنما همه: أن يرضي من أحبه، فقد بذل
المجهود في موافقته: في أداء فرائضه، و اجتناب مناهيه، فهو متزين له بكل طاقته
حذرا من أن يأتي عليه أمر يسقطه من عين من أحبه.
و هكذا روى النبيّ، صلّى اللّه عليه و سلم، من غير طريق، أنه قال:
«يقول اللّه، عزّ و جلّ: ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، و لا يزال
يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت له: سمعا، و بصرا، و يدا، و
مؤيدا: دعاني فأجبته، و نصح لي فنصحت له»[1].
فعلامة المحب: الموافقة للمحبوب، و التجاري[2]
مع طرقاته في كل الأمور، و التقرب إليه بكل حيلة، و الهرب من كل ما لا يعنيه على
مذهبه.
قلت: فالمحبة على قدر النعم؟
قال: المحبة بدؤها: من ذكر النعم، ثم على قدر المنعم: على قدر ما
يستحق؛ لأن المحب للّه تعالى يحب اللّه تعالى- عند النعم، و عند فقدها، و على كل
حال- حبا صحيحا، منعه، أو أعطاه، أو ابتلاه، أو عافاه، فالمحبة لازمة لقلبه، على
حالة واحدة، في العقد، ثم هي إلى الزيادة أقرب.
و لو كانت على قدر النعم، لنقصت المحبة إذا نقصت النعم، في وقت
الشدائد و وقوع البلاء لكن المحب للّه تعالى، الذي و له[3]
عقله بربه، و اشتغل برضاه فكان في شكره للّه و ذكره حيران، كأنه ليست نعمة على أحد
إلا و هي عليه، و هو مشغول بحبه للّه، عزّ و جلّ، عن كل الخلق، و قد أسقطت المحبة
للّه تعالى، عن قلبه، الكبر، و الغل، و الحسد، و البغي، و كثيرا مما يعنيه من أمر
الدنيا من مصلحة، فكيف يذكر ما لا يعنيه؟!
قال بعض الحكماء: من أعطى من المحبة شيئا فلم يعط مثله من الخشية:
فهو مخدوع:
و روي عن الفضيل بن عياض، رحمه اللّه تعالى، أنه قال: الحب أفضل من
الخوف.
و حدّثنا إسماعيل بن محمد قال: حدّثني زهير البصري قال: لقيت شعوانة،
فقالت لي: ما أحسن طريقتك! إلا أنك تنكر المحبة!