القلب بأمور الدنيا و الرزق، و كل أمر تكفل
اللّه به، و العلم بأن كل ما احتاج إليه العبد من أمر الدنيا و الآخرة: فاللّه
مالكه و القائم به، لا يوصله إليه غيره، و لا يمنعه غيره مع خروج الرغبة و الرهبة
و الخوف من القلب ممن سوى اللّه، تعالى، و الثقة به و العلم الخالص، و اليقين
الثابت: أن يد اللّه المبسوطة إليه، الموفية له من كل ما طلب؛ فلا يصل إليه معروف
إلا من بعد أمره، و لا يناله مكره إلا من بعد إذنه!
و هكذا روي عن الفضيل، أنه قال: المتوكل على اللّه، الواثق به: لا
يتهمه، و لا يخاف خذلانه.
و كذلك المتوكل على اللّه: إذا ملّكه اللّه تعالى شيئا من أمر الدنيا
و فضل عنده، لم يدخره لغد إلا بالنية أن الشيء إنما هو للّه، و موقوف لحقوق
اللّه، و هو خازن من خزان اللّه، فإذا رأى موضع الحاجة سارع إلى الإخراج و البذل و
المؤاساة، و كان في الذي يملك و إخوانه سواء.
و إنما يجب ذلك عليه لأهل الستر خاصة، و القرابة، و أهل التقوى، ثم
لعام المسلمين، إذا رآهم على حال ضرورة غيّر نقص حالهم.
و روي عن النبيّ، صلّى اللّه عليه و سلم، أنه قال: «ليس الزهادة في
الدنيا بتحريم الحلال، و لا بإضاعة المال، و لكن الزهد في الدنيا: أن تكون بما في
يد اللّه أوثق منك بما في يدك، و إذا أصابتك مصيبة كنت بثوابها: أفرح منك بها لو
بقيت عنك»[1].
و قال بلال[2]، رضي اللّه
عنه: «جئت إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم، و معي تمر فقال: ما هذا؟.
فقلت: شيء ادّخرته لإفطارك.
فقال: أنفق بلال، و لا تخش من ذي العرش إقلالا، أما خشيت أن يكون له
بخار في جهنم؟»[3].
[1] - أخرجه ابن ماجه في( السنن 4100)، و ابن عدي في(
الكامل في الضعفاء 4/ 1769).
بلال بن رباح الحبشي، أبو عبد
اللّه. مؤذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و خازنه على بيت ماله. من مولدي
السراة، و أحد السابقين للإسلام، و كان شديد السمرة، نحيفا طوالا، خفيف العارضين،
له شعر كثيف. و شهد المشاهد كلها مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و لما توفي
رسول اللّه أذن بلال، و لم يؤذن بعد ذلك. و أقام حتى خرجت البعوث إلى الشام، فسار
معهم. و توفي في دمشق. روى له البخاري و مسلم 44 حديثا.
( الأعلام 2/ 73، و ابن سعد 3/
169، و صفة الصفوة 1/ 171، و حلية 1/ 147).
[3] - أخرجه الطبراني في( المعجم الكبير 1/ 344)، و
المتقي الهندي في( كنز العمال 16011، 16185، 17019)، و المنذري في( الترغيب و
الترهيب 2/ 51)، و العراقي في( المغني عن-- حمل الأسفار 4/ 270)، و الشجري في(
الأمالي 2/ 207)، و ابن الجوزي في( زاد المسير 6/ 462) و العجلوني في( كشف الخفاء
1/ 244)، و أحمد بن حنبل في( الزهد 7، 9)، و الفتني في( تذكرة الموضوعات 61)، و
البيهقي في( دلائل النبوة 1/ 258)، و السيوطي في( اللآلئ المصنوعة 2/ 168).