و إن لم تجبه إلى ما يرضي اللّه، و رآها بطيئة، منعها محبوبها من
العيش، و خالفها عندما تهوى، و عاداها في اللّه، و للّه، و شكاها إلى اللّه، حتى
يصلحها له.
و لا يقيم على ذمّها مع الإحسان إليها، و ذكر عيوبها و الذّم لها، و
ما لا يرضاه من فعلها، مع الإقامة معها على الذي تهواه من الفعل.
و هكذا: يروى عن بعض العلماء أنه قال:
«قد علمت أن من صلاح نفسي: علمي بفسادها».
و كفى بالمرء إثما: أن يعرف من نفسه عيبا لا يصلحه، و ليس منتقلا من
ذلك إلى توبة.
و قال بعض العلماء: إن كنت صادقا في ذمّك لنفسك: فإنّ ذمّك غيرك بما
فيك فلا تغضب.
و إذا نازعتك نفسك إلى شيء من الشهوات، أو شغل قلبك في طلب شيء مما
حرم عليك و حلّ لك، فاتهمها تهمة من يريد صلاحها، و امنعها من ذلك منع من يريد
استعبادها، و احملها بالامتناع عن الملاذّ على اللحوق بمن تقدمها.
فإن الذي نازعتك إليه: لا يخلو من أن يكون حراما تستحق به السخط، أو
حلالا، تستوجب به طول الوقوف على المسألة إذا مضى التاركون للحرام إجلالا له و
تعظيما له، و وقفوا عن الحلال للانكماش و المبادرة.
فاعمل في فطام نفسك عن الحالين جميعا، فإنّ من فطم نفسه عن الدنيا:
كان رضاعه من الآخرة؛ و من اتخذ الآخرة أمّا: أحبّ برّها و الورود عليها.
و إذا رضي أبناء الدنيا بالدنيا أما؛ و برّوها؛ و سعوا من أجلها،
فارم المؤثرين للدنيا من قلبك بالهجران، مع النّصيحة لهم و تحذيرهم إياها.