و يروى عنه أيضا أنه قال: أخاف أن يطرحني في
النار و لا يبالي.
و بلغني أن بعض العلماء لقي بعض الناس فقال له: تبت؟.
قال: نعم.
قال: قبلت؟.
قال: لا أدري.
قال اذهب فادر.
و قال: «يفنى حزن كل ثكلى و حزن التائب ما يفنى!».
و من صدق التوبة: ترك الأخدان[1]
و الأصحاب الذين أعانوك على تضييع أمر اللّه تعالى، و الهرب منهم، و أن تتخذهم
أعداء، أو يرجعوا إلى اللّه.
فهكذا قال اللّه عزّ و جلّ: الْأَخِلَّاءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ 67 [الزخرف: 67].
و من صدق التوبة: خروج المأثم من القلب، و الحذر من خفايا التطلّع
إلى ذكر شيء مما أنبت إلى اللّه منه قال اللّه عزّ و جلّ:
وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ [الأنعام: 120].
و اعلم أن المؤمن: كلما صحّح، و كثر علمه باللّه تعالى: دقّت عليه
التوبة أبدا، ألا ترى أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «إنه ليغان على قلبي،
فأستغفر اللّه و أتوب إليه كل يوم مائة مرة»[2]؟.
فمن طهر قلبه من الآثام و الأدناس، و سكنه النور: لم يخف عليه ما
يدخل قلبه من خفيّ الآفة، و ما يلزمه من القسوة: من الهمّة بالزلة قبل الفعل،
فيتوب عند ذلك.
[1] - الأخدان:( ج) الخدن: الصديق الذي يكون معك ظاهرا
و باطنا في كل أمر( للذكر و الأنثى).
[2] - أخرجه مسلم في الصحيح( الذكر 41)، و أبو داود في(
السنن 1515)، و أحمد بن حنبل في( المسند 4/ 211، 260)، و البيهقي في( السنن الكبرى
7/ 52)، و الطبراني في( المعجم الكبير 1/ 280)، و التبريزي في( مشكاة المصابيح
2324)، و الزبيدي في( إتحاف السادة المتقين 5/ 57، 8/ 299، 517، 9/ 59، 628)، و
البخاري في( التاريخ الكبير 2/ 43)،( بغوي 6/ 180)، و السيوطي في( الدر المنثور 6/
63)، و ابن حجر في( فتح الباري 11/ 101)، و المتقي الهندي في( كنز العمال 207).