وَ إِنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ عَلَيْهَا إِلَى مَكَّةَ فَيُعَلِّقُ السَّوْطَ بِالرَّحْلِ فَمَا يَقْرَعُهَا قَرْعَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ وَ رُوِيَ أَنَّهُ حَجَّ عَلَيْهَا أَرْبَعِينَ حِجَّةً.
حَمَّادُ بْنُ حَبِيبٍ الْكُوفِيُّ الْعَطَّارُ قَالَ: انْقَطَعْتُ عَنِ الْقَافِلَةِ عِنْدَ زُبَالَةَ[1] فَلَمَّا أَنْ أَجَنَّنِي اللَّيْلُ أَوَيْتُ إِلَى شَجَرَةٍ عَالِيَةٍ فَلَمَّا أَنِ اخْتَلَطَ الظَّلَامُ[2] إِذَا أَنَا بِشَابٍّ قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ أَطْمَارٌ[3] بِيضٌ تَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ فَأَخْفَيْتُ نَفْسِي مَا اسْتَطَعْتُ فَتَهَيَّأَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ وَثَبَ قَائِماً وَ هُوَ يَقُولُ يَا مَنْ حَازَ كُلَّ شَيْءٍ مَلَكُوتاً وَ قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ جَبَرُوتاً أَلِجْ قَلْبِي فَرَحَ الْإِقْبَالِ عَلَيْكَ وَ أَلْحِقْنِي بِمَيْدَانِ الْمُطِيعِينَ لَكَ ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَ قَدْ هَدَأَتْ أَعْضَاؤُهُ[4] وَ سَكَنَتْ حَرَكَاتُهُ قُمْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَهَيَّأَ فِيهِ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا أَنَا بِعَيْنٍ تَنْبُعُ فَتَهَيَّأَتُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَهُ فَإِذَا بِمِحْرَابٍ كَأَنَّهُ مُثِّلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَرَأَيْتُهُ كُلَّ مَا مَرَّ بِالْآيَةِ الَّتِي فِيهَا الْوَعْدُ وَ الْوَعِيدُ يُرَدِّدُهَا بِانْتِحَابٍ وَ حَنِينٍ فَلَمَّا أَنْ تَقَشَّعَ الظَّلَامُ وَثَبَ قَائِماً وَ هُوَ يَقُولُ- يَا مَنْ قَصَدَهُ الضَّالُّونَ فَأَصَابُوهُ مُرْشِداً وَ أَمَّهُ الْخَائِفُونَ فَوَجَدُوهُ مَعْقِلًا وَ لَجَأَ إِلَيْهِ الْعَائِذُونَ فَوَجَدُوهُ مَوْئِلًا مَتَى رَاحَةُ مَنْ نَصَبَ لِغَيْرِكَ بَدَنَهُ وَ مَتَى فَرَحُ مَنْ قَصَدَ سِوَاكَ بِنِيَّتِهِ إِلَهِي قَدِ انْقَشَعَ الظَّلَامُ وَ لَمْ أَقْضِ مِنْ حِيَاضِ مُنَاجَاتِكَ صَدْراً صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ افْعَلْ بِي أَوْلَى الْأَمْرَيْنِ بِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ فَخِفْتُ أَنْ يَفُوتَنِي شَخْصُهُ وَ أَنْ يَخْفَى عَلَيَّ أَمْرُهُ فَتَعَلَّقْتُ بِهِ فَقُلْتُ بِالَّذِي أَسْقَطَ عَنْكَ مِلَاكَ التَّعَبِ وَ مَنَحَكَ شِدَّةَ لَذِيذِ الرَّهَبِ إِلَّا مَا لَحِقَتْنِي مِنْكَ جَنَاحُ رَحْمَةٍ وَ كَنَفُ رِقَّةٍ فَإِنِّي ضَالٌّ فَقَالَ لَوْ صَدَقَ تَوَكُّلُكَ مَا كُنْتَ ضَالًّا وَ لَكِنِ اتَّبِعْنِي وَ اقْفُ أَثَرِي فَلَمَّا أَنْ صَارَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَخَذَ بِيَدِي وَ تُخُيِّلَ لِي الْأَرْضُ تَمِيدُ[5] مِنْ تَحْتِ قَدَمَيَّ فَلَمَّا انْفَجَرَ عَمُودُ الصُّبْحِ قَالَ لِي أَبْشِرْ فَهَذِهِ مَكَّةُ فَسَمِعْتُ الضَّجَّةَ وَ رَأَيْتُ الْحُجَّةَ فَقُلْتُ لَهُ بِالَّذِي تَرْجُوهُ يَوْمَ الْآزِفَةِ يَوْمَ الْفَاقَةِ مَنْ أَنْتَ قَالَ إِذَا أَقْسَمْتَ فَأَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
كِتَابِ الْمَقْتَلِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَانَ سَبَبُ مَرَضِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ ع فِي كَرْبَلَاءَ
[1] منزل بطريق مكّة من الكوفة.
[2] أي اشتد سواده.
[3] الاطمار جمع الطمر بالكسر: الثواب البالى.
[4] هدأ: سكن.
[5] يقال: مادت به الأرض اي دارت.