قَرَأَهَا أَنَّهُ مَا قُوتِلَ عَلَيْهَا مُنْذُ نَزَلَتْ حَتَّى الْيَوْمَ وَ اتَّصَلَ الْحَرْبُ وَ كَثُرَ الْقَتْلُ وَ الْجَرْحُ ثُمَّ تَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ فَجَالَ بَيْنَ الصُّفُوفِ وَ قَالَ أَيْنَ أَبُو الْحَسَنِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ ع وَ شَدَّ عَلَيْهِ وَ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَأَسْقَطَ عَاتِقَهُ وَ وَقَعَ قَتِيلًا فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتَ أَبَا الْحَسَنِ فَكَيْفَ وَجَدْتَهُ وَ لَمْ يَزَلِ الْقَتْلُ يُؤَجِّجُ نَارَهُ وَ الْجَمَلُ يُفْنِي أَنْصَارَهُ حَتَّى خَرَجَ رَجُلٌ مَدَجَّجٌ يُظْهِرُ بَأْساً وَ يُعَرِّضُ بِذِكْرِ عَلِيٍّ ع حَتَّى قَالَ
أَضْرِبُكُمْ وَ لَوْ رَأَى عَلِيّاً
عَمَّمْتُهُ أَبْيَضَ مَشْرَفِيّاً
فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ ع مُتَنَكِّراً وَ ضَرَبَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَرَمَى بِنِصْفِ قِحْفِ رَأْسِهِ[1] فَسَمِعَ صَائِحاً مِنْ وَرَائِهِ فَالْتَفَتَ فَرَأَى ابْنَ أَبِي خَلَفٍ الْخُزَاعِيَّ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي الْمُبَارَزَةِ يَا عَلِيُّ فَقَالَ عَلِيٌّ مَا أَكْرَهُ ذَلِكَ وَ لَكِنْ وَيْحَكَ يَا ابْنَ أَبِي خَلَفٍ مَا رَاحَتُكَ فِي الْقَتْلِ وَ قَدْ عَلِمْتَ مَنْ أَنَا فَقَالَ ذَرْنِي يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ مِنْ بَذْخِكَ[2] بِنَفْسِكَ وَ ادْنُ مِنِّي لِتَرَى أَيُّنَا يَقْتُلُ صَاحِبَهُ فَثَنَى عَلِيٌّ عَنَانَ فَرَسِهِ إِلَيْهِ فَبَدَرَهُ ابْنُ خَلَفٍ بِضَرْبَةٍ فَأَخَذَهَا عَلِيٌّ فِي جَحْفَتِهِ[3] ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِضَرْبَةٍ أَطَارَ بِهَا يَمِينَهُ ثُمَّ ثَنَى بِأُخْرَى أَطَارَ بِهَا قِحْفَ رَأْسِهِ وَ اسْتَعَرَّ الْحَرْبُ حَتَّى عُقِرَ الْجَمَلُ وَ سَقَطَ وَ قَدِ احْمَرَّتِ الْبَيْدَاءُ بِالدِّمَاءِ وَ خُذِلَ الْجَمَلُ وَ حِزْبُهُ وَ قَامَتِ النَّوَادِبُ بِالْبَصْرَةِ عَلَى الْقَتْلَى.
وَ كَانَ عِدَّةُ مَنْ قُتِلَ مِنْ جُنْدِ الْجَمَلِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفاً وَ سَبْعَمِائَةٍ وَ تِسْعِينَ إِنْسَاناً وَ كَانُوا ثَلَاثِينَ أَلْفاً فَأَتَى الْقَتْلُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِمْ وَ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ ع أَلْفٌ وَ سَبْعُونَ رَجُلًا وَ كَانُوا عِشْرِينَ أَلْفاً.
وَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ الْمَعْرُوفُ بِالسَّجَّادِ قَدْ خَرَجَ مَعَ أَبِيهِ وَ أَوْصَى عَلِيٌّ ع عَلَيْهِ وَ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ مَنْ عَسَاهُ أَنْ يَظْفَرَ بِهِ وَ كَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ عَلِيٍّ ع حم^ فَلَقِيَهُ شُرَيْحُ بْنُ أَوْفَى
[1] القحف- بالكسر-: ما انفلق من الجمجمة فبان اي انفصل و لا يدعى قحفا حتى يبين او ينكسر منه شيء.
[2] البذخ: الكبر« ه. م».
[3] الجحفة- محركة-: واحدة الجحف و هو الترس بلا خشب و لا عقب.