و بعد: فقد ورد مفاوضتكم الغرّاء و مخاطبكم
البيضاء من يد رسولنا، قدوة الأكارم و الأعيان يوسف القيطان فى أشرف زمان و ألطف
أوان مشحونة باللّطف و الإحسان و مقرونة بأنواع البلوغة و محاسن التبيان و ابتهجنا
من ورودها و قرحنا من صدورها.
فقلنا
لها أهلا و سهلا و مرحبا
بخير
كتاب جاء بخير مرسل
فطالعناها بالإعزاز التام و اطلعنا على ما فيها من التحيّة و السلام،
فوجدنا مضمونها منبأ عن توجّهكم العالى الى البلاد الشرقية و دفع الملاحدة
القزلباشية، فشاورنا امراء ديواننا فى القاهرة فاتّفقوا بالآراء الصائبة و الأفكار
الثاقبة على أن نتوجّه الى تلك الحدود بالعساكر و الجنود أن نصلح بينكم كيف و قد
قال الله تعالى فى كتابه الكريم «وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ»[1] فانّ فيه منافع كثيرة، منها دفع الفتن و الفساد و عمارة النواحى و
البلاد و استراحة العساكر و العباد، نغر منا بالمسير و الراحلة نحو الحلب و الشام
حماها الله تعالى عن الآفات و الآلام مع ساير بلاد الإسلام، فالمرجو من خصالكم
الحميدة و ألطافكم العميمة لن تسارعوا فى التوجّه الى تلك الولاية، لانّ أكثر
أهلها أهل السنة و الجماعة و أغلبهم خيار علماء هذه الامّة؛ و قد طرا عليهم حوادث
كثيرة فى الأزمنة السابقة، مثل ظهور أولاد الچنگيزية و التيمورية الملعونية و
طوائف الملاحدة السالفة و غير ذلك من الأحزاب الظلمة و هذا القوم من افراد تلك الاحزاب-
لعنهم الله الى يوم السؤال و الجواب- و سمعنا من أكثر الواردين عن هذه الديار الى
الحرمين الشريفين- زادهما الله شرفا و تعظيما- ان اسماعيل المخذول، لما هرب عن
محاربتكم الشديدة قرر بنفسه اللئيمة أن لا يقابل معكم قطعا، بل يسير بشمله
المتفرقة كقطاع الطريق فى البوادى و الجبال، و يعمل بكم كما عمل حسن الطويل- اوزون
حسن- مع ابو سعيد گوركان، و الله لا يجعل فى رأيه و عمره و أمره خيرا و لا بركة.
فاذا لا تظهر الفائدة فى توجّهكم الّا دفع هذه الحيل غير مضرّة الرعايا و تلف
أموالهم و انفسهم، قال عزّ من قائل «إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا
دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً»[2] و الحمد للّه تعالى قد شربوا سموم أفاعى سيوفكم مرارا و هربوا عن
قتالكم ليلا و نهارا و أخذتم اكثر بلادهم و قلاعهم و خربتم أشرف دورهم و بقاعهم،
فتهتك عرضهم و خرج من أيديهم حصونهم و أرضهم و ما بقى فيهم من الشجاعة اثر و لا
الرؤية فى البصر، و نحن اليوم من خدام الحرمين المكرّمين و نظّار الصّفا و
المروتين، فالمناسب أن نصلح بينكم لرفاهية الأنام على أن لكم مهمّات كثيرة غير هذه
مثل فتح ردوس و امثالها، حتى سمعنا أنّكم هيأتم مائة سفينة «كالجوار المنشئات فى
البحر»[3] بالعزّ و
النصر، لأمر الغزاء، فالعزيمة الى تسخير تلك القلعة الشديدة أوجب منها و أهمّ و
الله تعالى أعلم و أحكم و ارسلنا قدوة الأماجد و الأكارم محمد البيغا- رزقت
سلامته- الى سدّتكم السّنية لتمهيد أسباب