لما كانت الرعية ضروبا مختلفة و شعوبا مختلطة متباينة الاغراض و
المقاصد متفرقة الاوصاف و الطبائع[2]، افتقرت
ضرورة الى ملك عادل يقوم بأودها[3] و يقيم
عمدها[4] و يمنع
ضررها و يأخذ حقها و يذّب[5] عنها، و
متى خلت من سياسة تدبير الملك كانت كسفينة في البحر اكتنفتها الرياح المتواترة و
الامواج المتظاهرة، قد اسلمها الملاحون و استسلم اهلها للموت[6].
و اعلم أن الرعية تستظمىء الى عدل الملك و تدبيره استظماء أهل
الجدب[7] الى الغيث
الوابل، و ينتعشون (بطلعته عليهم)[8] كانتعاش
النبت بما ينال من ذلك القطر، بل الرعية بالملك اعظم انتفاعا منها بالغيث لان
للغيث وقتا معلوما، و سياسة الملك[9] دائمة لا
حد لها و لا وقت.
و الرعية في تباين أوصافها كنبات الارض، فمنه الطيب المثمر و منه
الخبيث القاتل، فما كان منه[10] طيبا فانه
لا تزكو أصوله في أرضه، و لا تندي[11] فروعه إذا
جاوره الخبيث فيها، لان الخبيث يسبق الى مادته في الفرار فيشربها و يكثف فروعه في
الفضاء، فلا يصل إليه حظه من النسيم. فإذا أصلحت الارض و اخرج ما فيها