يكشف المؤلف عن مضامين مؤلفه و اهدافه بالاشارة الى أنه كتاب في
الحكمة و الأدب، و بحث في قواعد و اصول التدبير و الرياسة، و ان الغاية منه بعث
الشيم الكريمة ورد الاخلاق اللئيمة. و قد توزع الكتاب في عشرين بابا متفاوتة في
الاهمية و الحجم، عالج كل منها موضوعا مستقلا بذاته وفق خطة ثابتة درجت العادة على
اتباعها في كتب «مرايا الامراء»، فالمؤلف يقدم لموضوعه بجملة من الآيات القرآنية و
الأحاديث النبوية، ثم يؤيد أقواله بسلسلة من الحكايات و الحكم و الامثال.
جاء الباب الاول تحت عنوان «افتقار الرعية الى ملك عادل» كشف فيه
الشيزري عن حاجة الناس إلى حاكم و وازع يحكم بينهم بالعدل و يحفظ أملاك الرعية و
مصالحها من الضياع و الهلكة و قد بدا تأثره واضحا بالفلاسفة اليونانيين[1] و المسلمين[2]،
كما تأثر بالنظرية الاسلامية الكلاسيكية الممثلة
[1] -جاء في كتاب الجمهورية لافلاطون ص 174، أنه لا
بقاء للمدينة الفاضلة و لا ديمومة لها، ما لم يكن الحاكم حكيما أو فيلسوفا، كما و
إنه لا استمرار للنوع الانساني و لا نجاة للجنس البشري من الشقاء ما لم يتفلسف
الحكام و الملوك. و شدد أرسطو في كتاب السياسات ص 8- 10، 212- 217 على وجوب قيام
حكومة مثالية لحفظ المصالح العامة و بقاء الدولة، و قدّم حكومة الطبقة الوسطى
البوليتية( الدستورية) على غيرها من الحكومات، و رأى أنه بإمكان الدولة وحدها
كمؤسسة سياسية ان تحمي الشعب و تتعهد المواطنين بالتربية و الرعاية و التعليم.
[2] -جاء في كتاب المدينة الفاضلة للفارابي ص 118، ان
الخير الأفضل و الكمال الاقصى إنما ينال بالمدينة، و ذكر في كتابه« فصول منتزعة» ص
47، أن الغاية من وجود الملك تحقيق السعادة الحقيقية لنفسه و لاهل مملكته، و نجد
المعنى نفسه في كتابه« السياسة المدينة» ص 84. و في كتاب الشفاء( الالهيات) ص 452-
455 يكشف ابن سينا عن ضرورة وجود سان و مشرع( نبيّ او من يخلفه) ليحكم بين الناس
بالعدل.