الابرار. و قد قدمنا في صدر هذا الكتاب، ان
من لم يقدر على ضبط نفسه عن الرذائل (لم يقدر على ضبط حواسه و هي خمس. و من لم
يقدر على ضبط حواسه لم يقدر على ضبط خاصته[1]،
و من لم يقدر على ضبط)[2] خاصته- و
هم نصب عينيه- لم يقدر على ضبط رعيته و هم في اقاصي بلاده. فإذا عفّ نفسه و جوارحه
فقد ينتظم[3] أمر مملكته
في دنياه و ينقلب إلى الملك الدائم في عقباه. فأما اعفاف الجوارح فهو ان يعفّ بصره
عن النظر إلى المحارم، و ان يترك التطلع[4]
إلى ما حجب عنه[5] لأن رسول
اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال[6]: النظر
(إلى المحارم سهم مسموم)[7] من سهام
إبليس، فمن تركه من خوف اللّه اتاه اللّه إيمانا يجد حلاوته في قلبه.
و قال ابو الدرداء[8] رضي
اللّه عنه: من غضّ بصره عن نظر الحرام[9]
زوّجه اللّه تعالى من الحور العين حيث احب، و من اطلع فوق بيت من بيوت الناس حشر
يوم القيامة اعمى. ثم يعفّ نفسه عن كلام الناس القبيح و الغيبة و النميمة، و سماع
المحرم من الملاهي، و ينزه مجلسه عن جميع ذلك. فقد قال عبد اللّه بن عمر[10] رضي اللّه
[8] - ابو الدرداء: هو الخزرجي الانصاري، من الصحابة
التابعين، و من كبار الحكماء و الرواة المحدثين برع في الحكم و علوم الدين و كان
صوفيا. و يذكر عنه انه تولى القضاء في دمشق، و توفي عام 32 ه. قارن حلية الاولياء
لابي نعيم 1/ 208 و ما بعدها.
[10] - هو عبد اللّه بن عمر الخطاب( 10- 74 ه) يكنى ابا
عبد الرحمن اسلم مع ابيه و هو صغير، و شهد وقعتي بدر واحد. انه صحابي و تابعي جليل
و راوية و فارس شجاع، اشترك مع خالد بن الوليد في محاربة المشركين في فارس. عاش
حتى زمن عبد الملك بن مروان و مات بمكة سنة 74 ه. اثر مؤامرة دبرها ضده الحجاج بن
يوسف. قارن عنه: المعارف، لابن قتيبة، ص 80. البداية و النهاية-