ثم اعلم أنه لا يمضي له حكم و لا ينفذ له
عزم إلّا بالجيش الذي يقهر به من عانده و ناوأه. و يردّ به إلى الدّين من عاداه و
قاواه[1]. فقال: و
الملك راع يعضده الجيش. ثم بيّن أن الجيش[2]
لا تستقيم أحوالهم و لا يقوم أودهم و اختلالهم إلّا بالرزق الذي يغني فاقتهم و
تكفيهم إضاقتهم. لأنه ليس لهم غير الحرب صناعة. و لا سوى مقاومة الأعداء حرفة
يشتغلون بها من تجارة أو اعتقاد عقده بضاعة. فوجب أن تكون أرزاقهم دارّة موفرة. و
نفقاتهم في وقت استحقاقها تامة غير متأخرة.
فقال: و الجيش أعوان يكفلهم المال. ثم بيّن أن المال لا يحصل إلّا
بواسطة تحصيل الرعيّة. فإنهم الذين يحرثون و يزرعون و يتعاطون الأسباب التي بها
يثمرون المال و يجمعون. فقال: و المال رزق تجمعه الرعية. ثم بيّن أن الرعية لا
يجتمعون[3] إلّا
بالعدل.
لأن الظلم يدع الديار بلاقع[4]
فيهلك الحرث و النسل. و إذا فشا الظلم في قطر من الأقطار منعت السماء- و العياذ
باللّه- درّها[5]، و حبست
الأرض عنه خيرها. و انقطعت عن وروده السفّار، و تحامى قصده أرباب الأموال من
التّجار. و عزّ فيه وجود ما هو مبتذل في غيره. و انجلى عنه أهله فرقا[6] من شرّه و يأسا من خيره.