الخامسة:
أنّ الظاهر من القرآن الكريم: أنّ هذه المرحلة كانت تتصف- أيضا- و تتميّز بالنبوة
و الكتاب، و هو ممّا يتميّز به عيسى عليه السّلام من بقية الأنبياء، فإنّه سلام
اللّه عليه كما امتاز من بقية البشر بهذه الولادة الفريدة كذلك امتاز من بقية
الأنبياء: بأن كانت نبوته و إتيانه الكتاب عند ولادته؛ لأنّ ظاهر قوله تعالى على
لسان عيسى و هو يتكلم في المهد: ... إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا ... أنّ هذه الصفات كانت ثابتة له في الحال لا في
الاستقبال، و من الواضح:
أنّ
ثبوت النبوة لهذا المولود ليس عزيزا على اللّه- تعالى- و على قدرته، كما أنّ
المصلحة و الهدف من ذلك واضح من القرآن الكريم؛ إذ جعله مثلا لبني إسرائيل كما
جعله و أمه آية لهم[1].
[1] -« عن يزيد الكناسي قال: سألت أبا جعفر عليه
السّلام أ كان عيسى بن مريم عليهما السّلام حين تكلم في المهد حجّة[ ا] للّه على
أهل زمانه؟ فقال:« كان- يومئذ- نبيا حجّة[ ا] للّه غير مرسل. أ ما تسمع لقوله حين
قال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا وَ جَعَلَنِي
مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ
حَيًّا»؟! قلت: فكان- يومئذ- حجّة للّه على زكريّا في تلك الحال و هو في المهد؟
فقال:« كان عيسى في تلك الحال آية للنّاس و رحمة من اللّه لمريم حين تكلّم فعبّر
عنها، و كان نبيّا حجّة على من سمع كلامه في تلك الحال، ثمّ صمت فلم يتكلّم حتّى
مضت له سنتان، و كان زكريّا الحجّة للّه- عزّ و جلّ- على الناس بعد صمت عيسى
بسنتين، ثمّ مات زكريّا، فورثه ابنه يحيى الكتاب و الحكمة و هو صبيّ صغير. أ ما
تسمع لقوله عزّ و جلّ: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ
الْحُكْمَ صَبِيًّا؟! فلمّا بلغ عيسى عليه السّلام سبع سنين تكلّم بالنبوة و
الرسالة حين أوحى اللّه- تعالى- إليه، فكان عيسى الحجّة على يحيى و على الناس
أجمعين، و ليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوما واحدا بغير حجّة للّه على الناس منذ
يوم خلق اللّه آدم عليه السّلام و أسكنه الأرض». فقلت: جعلت فداك أ كان علي عليه
السّلام حجّة من اللّه و رسوله على هذه الامّة في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه
و آله؟ فقال:« نعم، يوم أقامه للناس و نصّبه علما، و دعاهم إلى ولايته، و أمرهم
بطاعته». قلت: و كانت طاعة عليّ عليه السّلام واجبة على الناس في حياة رسول اللّه
صلّى اللّه عليه و آله و بعد وفاته؟ فقال:« نعم، و لكنّه صمت فلم يتكلّم مع رسول
اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كانت الطاعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على
امته و على علي عليه السّلام في حياة رسول اللّه، و كانت الطاعة من اللّه و من
رسوله على الناس كلّهم لعلي عليه السّلام بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و
آله، و كان علي عليه السّلام حكيما عالما».
عن صفوان بن يحيى قال: قلت للرّضا
عليه السّلام: قد كنّا نسألك قبل أن يهب اللّه لك أبا جعفر عليه السّلام فكنت
تقول:« يهب اللّه لي غلاما» فقد وهب اللّه لك فقرّ عيوننا، فلا أرانا اللّه يومك،
فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه السّلام و هو قائم بين يديه،
فقلت جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟! قال:« و ما يضره من ذلك شيء، قد قام عيسى
عليه السّلام بالحجّة و هو ابن ثلاث سنين». اصول الكافي 1: 382- 383، و الرواية
الثانية معتبرة، و تفسّرها الرواية الاولى عن البحار 14: 255- 256.