الإسرائيلي،
و أشرنا إلى بعضها عند دراستنا للمرحلة الثالثة من دعوة موسى، و يمكن أن نلخص ما
تكشف عنه هذه الأوضاع و الصفات التي تناولها القرآن و هي:
أوّلا:
في أنّ الشعب الإسرائيلي كان يتصف بازدواجية فضيعة نتيجة لمختلف الظروف التأريخية
و الاجتماعية التي مرّ بها، و التي تراكمت آثارها المتنوعة و العميقة في سلوكه
الاجتماعي و محتواه النفسي و الروحي.
و
كانت تتمثل هذه الازدواجية في الشعور بالعظمة و الامتياز و القربى من اللّه بوحي
من تأريخه المجيد الذي عاشه آباؤه و أجداده، كتأريخ النبوّات و المقام الاجتماعي
المتميز الذي كان ليوسف عليه السّلام و انقاذه للمجتمع من الكوارث الطبيعية، و
التخطيط الاقتصادي الرائع الذي قام به من ناحية، و نجد هذا الشعب في الوقت نفسه قد
قاسى حياة طويلة من الاضطهاد و الاستعباد و رزح في ظل مستلزماتها من جهل و فقر و
انحطاط خلقي و نفسي و اجتماعي من ناحية اخرى.
و
لعلّ هذه الازدواجية هي التي تفسر لنا تململ الإسرائيليين، و عدم تحملهم لأعباء
الرسالة و عملية الخلاص و الانقاذ من ناحية، و تمادي الإسرائيليين في الطلبات، و
كثرة تمنياتهم على موسى، و عدم استجابتهم للخط الذي رسمه لهم لانقاذهم، و هو خط
الجهاد لتحرير الأرض المقدسة من ناحية اخرى، و قد صنعوا كلّ ذلك على الرغم ممّا
يتمتع به موسى من مكانة عظيمة عندهم، لأنّه كان مخلصهم و منقذهم من الظلم الفرعوني
و ضحى من أجلهم بموقعه الاجتماعي و حياته الهنيئة.
و
قد استهدف القرآن من وراء إعطاء هذه الصورة للشعب الإسرائيلي تسليط الأضواء على
واقع اليهود الذين كانوا يعايشون المسلمين، و كان ينظر إليهم العرب قبل ظهور
الاسلام على أنّهم أهل الكتاب و المعرفة بالأديان و بكلّ ما يتصل بعالم الغيب. و
حيث تتكشف هذه الصورة الواقعية لهذا الشعب (الازدواجية)