وَ ما
كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ[1].
2-
أساليب الدعوة و أدلتها:
لا
شك أنّ العقيدة في الدعوة الإلهيّة تمثل جانبين:
الجانب
الإلهي فيها، و هو الإيمان بوجود اللّه تعالى و وحدانيته و صفاته، و هذا جانب يمكن
أن يعتمد في معرفته على العقل و الدليل و البرهان.
و
الجانب الآخر الذي يعبّر عن ارتباط الداعية (الرسول) باللّه سبحانه و صدوره عن
أمره تعالى، و هذا الجانب ربّما لا يمكن إثباته مبدئيا إلا عن طريق المعجزة[2]،
فالمعجزة تعبير عن الاستجابة إلى الحاجة في هذا الجانب من الدعوة- كما شرحنا ذلك
في بحث المعجزة- بخلاف الجانب الأوّل الذي يمكن فيه الاعتماد على اسلوب الأدلة و
البراهين المنطقية و الوجدانية.
و
على هذا الأساس من الفهم نجد الأنبياء لم يكتفوا في دعوتهم و رسالتهم بالادلة
المنطقية وحدها، كما لم يكتفوا بالمعجزة وحدها، فلم يترك الأنبياء هذه الأدلة
المنطقية و الوجدانية في مخاطبتهم للناس بالدعوة إلى اللّه و توحيد الإله، و لم
يكتفوا بالاتيان بالمعجزات على أساس أنّها الدليل الوحيد لاثبات ذلك، و إن كنا لا
[2] - قد يكون إخبار النبي بالوحي و الرسالة- و هو
انسان عاقل معروف بالصدق و الأمانة، و على مستوى عال من الكمالات النفسية و
الاخلاقية- كافيا في تصديقه و الإيمان به، و لكن هذا الأمر لا يمكن أن يكون عاما
لجميع النّاس الذين يدعوهم النبي إلى الإيمان برسالته، و إنّما هو لمن يعرف ذلك
فيه، و أمّا الآخرون فقد يتهمونه عنادا أو جهلا بشخصيته، فيحتاج النبي إلى المعجزة
عندئذ.