وعليه،
فنعود إلى تكملة ما دخلنا فيه ولم نستوفه وابتدأنا به ولم نبلغ غاية ما نتوخّى
منه، وقد جرّنا الكلام إلى سلوك أودية سحيقة والخوض في تيّار لجج عميقة، ليس
المعوّل بالخروج منها على صحّة وسلامة إلّاعلى اللَّه (جلّ شأنه) وألطافه الخفية.
وكان
الأصيل بالغرض الذي خرجنا منه إلى كلّ تلك المباحث هو: أنّ العقل- كسائر القوى-
يدرك حسن الأفعال وقبحها مع قطع النظر عن سائر الجهات من شرع وعرف أو عادة، سوى ما
عرفت من الملائمة والسنخية والاشتراك في جهة الخيرية وسعة الوجود.
ولذا
كلّما اتّسع وجوده واشتدّت خيريته وكماله اشتدّ إدراكه لحسن الأفعال وقبحها، حتّى
ينتهي إلى أكمل العقول وأشرفها، وهو العقل المحمّدي ومرآة العلم الأحدي.
ثمّ
تتنازل في قوّتها وكمالها على حسب ما شاءت لها العناية، وقضت لها به الحكمة،
وأسعفتها به الظروف والمراكز.
وكلٌّ
يدرك من حسن الأشياء ومنافعها في نظم الكون ومسيس الحاجة إليها في نسق العالم على قدر
ما عنده من الصحّة ما أُوتي من تلك الموهبة والمنحة.
فعدم
وصول أكثر العقول إلى مصالح أكثر الأفعال ومحاسن عامّة الأعمال- ككثير من
الموظّفات الدينية وأحكام الشرائع والنواميس الإلهية بل كأكثر الحوادث الكونية-
ليس لخلوّها عن جهات المصالح والمحاسن أو المقابح، بل