ومن هنا
يستبين لك الوجه في الحثّ على التفكّر في آيات اللَّه (جلّت عظمته) والنظر في
ملكوت السماوات والأرض من الآيات والروايات، حتّى استفاض في الأخبار: «إنّ تفكّر
ساعة خيرٌ من عبادة سبعين سنة»[1].
وذلك
أنّ التفكّر طاعة النفس التي توصلها إلى أعلى علّيين من منازل المعرفة واليقين،
والعبادة طاعة البدن، والفرق في الشرف بين الطاعتين كالفرق في الفضيلة بين
المطيعين، والنفس جوهر مجرّد من عالم الملكوت الأعلى، والبدن من المواد الداثرة
السفلى، وأين المادّي من المجرّد والفاني من المؤبّد؟!
[تعداد مرجع الطرق والأدلّة إلى الصانع وتوحيده]
ثمّ
إنّ هنا تتمّة مهمّة، وهي: أنّ الطرق إلى اللَّه وتوحيده (جلّت عظمة تمجيده) وإن
كانت عند أرباب الحقائق بعدد أنفاس الخلائق[2]،
ولكن مرجعها إلى ثلاثة على التعيين، كما ذكره (جلّ ذكره) في كتابه المبين، حيث قال
(جلّ من قائل) لنبيّه الأكرم صلى الله عليه و آله: «ادْعُ
إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»[3]:
فالأوّل:
هو التدرّب في معارج المعرفة والإيمان
الحاصل
من الترقّي
[1] جاء الحديث بألفاظ متقاربة في: الموضوعات لابن
الجوزي 2: 330، الجامع الصغير 2: 77، اللآلئ المصنوعة 2: 327، كنز العمّال 3: 106
و 107، كشف الخفاء 1: 370 و 471، النوافح العطرة 217، أسنى المطالب 166، اللؤلؤ
المرصوع 66.