إنّ
دائرة الخلاف بيننا وبين المعطّلة تستدير على محور واحد كما سبق[1]،
وهو: أنّ مبدأ العالم ومصدره هل هو قوّة جسمانية عمياء صمّاء خرقاء لا إدراك لها
ولا شعور منغمسة في الظلمة عديمة النور، أم هي قوّة عقلانية روحية مجرّدة أزلية
قديمة عالمة حكيمة نورانية صمدانية مقدّسة عن كلّ شيء من التغيّر والتبدّل
والحلول والتحوّل واجدة لكلّ صفة من صفات الكمال موجدة إيّاه في غيرها:
«ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ»[2]؟
أمّا
لو افترضنا تلك القوّة- كما يقولون- عديمة الشعور فيستحيل أن تكون هي التي كوّنت
هذه الكائنات الجارية على أبدع النواميس وأتقن الحكمة؛ لما عرفت من أنّ الفاقد لا
يكون معطياً، وصانع السرير ما لم تحصل صورته في ذهنه يستحيل أن يوجده.
وكأنّ
هذه النظرية الفطرية مرتكزة في النفوس ارتكازاً لم يدع لها فسحة في الخروج بتاتاً
وجهاراً.
فلذلك
تجد المادّيين لمّا جعلوا التكوين مستنداً لتك المادّة- وهي على ذلك الحال من
العوز والفاقة- جعلوا يتطلّبون المخرج من هذا الحرج والمضيق، فصاروا يتشبّثون
بالخزعبلات والأوهام:
فتارةً
يقولون: إنّ تكوين هذه العوالم من تلك المادّة العمياء إنّما كان