فإنّك لا
تجد نوعاً من أنواع الحيوانات- على تباعدها وعرضها العريض- إلّا وتقدر على تحصيل
جهة مشابهة بين كلّ واحد وجميع ما عداه من أنواع ذلك الجنس، بل هذا سارٍ في جميع
الكونيات من الوجود بالبداهة.
وليس
القول: بأنّ القرد أصل للإنسان، أو هما معاً من أصل واحد، إلّا كالقول: بأنّ شجر
الخلاف[1] من النخل،
أو الزيتون من الكرم، أو العكس؛ لتحصّل بعض وجوه التشابه بينهما على كثرة
الميّيزات والخواصّ المتباينة فيهما!
وكلّما
فحصنا ومحّصنا أساطيرهم لم نجد فيها ما يصلح لتقريب هذا البعيد فضلًا عمّا يصلح
بأن يسمّى دليلًا أو برهاناً.
دونك
فلسفة النشوء والارتقاء- أيّها المتظلّع الكامل لا الغرّ الجاهل الذي يختلس من حيث
لا يدري ويسقط من حيث لا يشعر- دونك فانظر هل تجد فيه للدليل أثراً، أو تسمع من
الحجّة همساً، أو تحسّ لها ركزاً؟!
كلّا،
فدع عنك- أيّها القلم- الخوض في هذه الأوحال المنتنة والمحالّ المتعفّنة! دع عنك
المسابقة في ميدان القرود وخلّه لأهله، فكلّ إنسان هو أعرف بأصله، ولا يسوغ إقراره
إلّاعليه!
ولأجل
ما ذكر- من عدم ارتباط هذه المسألة الطبيعية بتلك المسألة الإلهية التي هي همّنا
وإليها وجهة قصدنا- تركنا البحث في أصل خلق الإنسان، ولقد كانت لنا فيه مطالب جمّة
ونظرات مهمّة، ولكنّا خشينا أن يفوت الغرض بالعرض والمقصد بالمستطرد، فعدلنا عنه
إلى البغية، وباللَّه التوفيق.