القومية الألمانية بشدّة وحرارة متزايدة، أو بدأ (غاندي)، أو (غاريبالدي) كفاحهما في سبيل استقلال الهند أو أيطاليا، أو بدأ الفيتناميون أو الفلسطينيون محاولة التحرر والاستقلال لعلاج آلامهم وبلوغ آمالهم، وحينما تبدأ جماعة من امة محاولة القيام والثورة، نجد أنّ هناك عنصرين مشتركين بينهم جميعاً، و هو: الإحساس بألم الظلم وسيطرة الإنسان على أخيه الإنسان، ثم محاولة رفع هذه السيطرة.

فإنّ (فيخته) كان يريد بإعلانه القومية الألمانية تحرير الأُمة الألمانية من نفوذ وسيطرة الفرنسيين السياسية والثقافية، و (غاندي) كان يريد تحرير الهند من السيطرة السياسية والثقافية والاقتصادية الإنجليزية، والجزائريون كانوا يريدون تحرير الجزائر من تجاوز الفرنسيّين أيضاً، و هكذا ...

إذن: فالعامل المشترك في جميع الآلام والآمال والقومية التي أوجدت أُمم العالم هو هذا الإحساس نفسه، وإرادة رفع الظلم وطلب العدل.

ولماذا لا يوجد الإحساس القومي والوطني إلّا في عهد الحرمان وذوق الظلم والعدوان والاستعمار والاستثمار؟ لأنّ الإنسان إنّما يكتشف نفسه وفطرته وحقيقته ويتبصّر بقيمته و فضائله الإنسانية في عهد الحرمان وفقدان رحم وعواطف الإنسان لأخيه الإنسان، وحينما يسعى جاهداً من أجل التحرّر من تلك الأوضاع والأحوال والشرائط غير المطلوبة. فإنّ الإنسان حينما وقع تحت نيْر الظلم والجور والفسق والفجور والكفر والجريمة وتحمّل منها الأمَرَّيْن، ظهرت فيه أشواق الى الحقّ والعدل، وهذه الأشواق هي التي تجمع الآحاد وتمنحهم الوحدة والوداد، فإنّ الإنسان بطبعه يعشق الحقّ والعدل والتّقى في أعماق ضميره، ويظهر هذا الحبّ في كلّ زمان ومكان بشكل من الأشكال ولون من الألوان.

وعلى هذا فنحن نرى: أنّ عامل الحرمان من التمتّع بحقّ الحكم، والوقوع تحت نير المحكومية للآخرين، هوالذي يحدّد الحدود الواقعية بينهم ويعيّن أماكن صفوفهم في المجتمع البشري.