المشرق بل سكنها. وقطنها من يخرجون عن حدود الإحصاء والحصر، فبعضهم سيق الى هناك حشراً[1] بعنوان أصحاب الحرف والأحشام مماوراء النهر وخراسان، وطائفة كثيرة منهم ممن طافوا أقصى المغرب والعراقَين والشام وغيرها من بلاد الإسلام على سبيل التجارة والسياحة، وبلغوا كلّ حدب وصوب وبلد ومدينة، وبنوا لأنفسهم صوامع للصلاة ومدارس في مقابل بيوت الاصنام للعبادة، واشتغل فيها العلماء بالإفادة والاستفادة. حتى كأنّما الحديث يشير الى أبناء هذا الزمان إذ يقول:

«اطلب العلم ولو بالصين»[2].

إنّ عطاء الملك الجويني يرى أنّ ذهاب المبلغين المسلمين الإيرانيّين وغير الإيرانيّين الى الصين ودعوتهم أهلها الى الإسلام، بعد ستمائة سنة من الهجرة النبوية، هي إحدى معجزات خاتم الأنبياء (ص).

الجندية والتضحية

إنّ جندية الإيرانيّين في سبيل الإسلام- سواء ما بلغ منها إلى نتائجها الإيجابية، ومالم يصل منها الى الثمر على الرغم من المساعي والجهود الخالصة- لهي إحدى الصفحات البيضاء في العلاقة بين الإسلام وإيران.

وقد قرأتم قبل هذا المساعي المخلصة للمسلمين الإيرانيّين المقيمين في اليمن. وإنّ قيام الإيرانيّين بوجه الحكومة الأُموية الذي انتهى بظهور الدولة العباسية كان نوعاً من هذه الخدمات للُامة المسلمة، إذا أنّ هذا القيام المسلّح- كما سبق- كان لإقامة الشعائر الإسلامية وارجاع المسلمين الى صراط الدين. وإن كان قيامهم هذا مع انتصاره المسلّح لم يكن موفقاً تاماً وذلك لأنّ الاسرة التي تسنّمت الحكم لم تكن‌

[1] شرح ناشر الكتاب هذه الكلمة في الهامش فقال:( الحشر في اللّغة المغولية بمعنى الأفراد الذين كانوا يختارون من بين أصحاب الصنعة والعمال من الأمم المفتوحة عنوة لتشغيلهم في أعمالهم في البلاد المفتوحة).

[2] الذكرى الألفية للشيخ الطوسي 179: 1، باللغة الفارسية.