أقول:الفصل إلى آخره شروع في الموعظة و
المشورة،و لمّا قدّم الإشعار بأنّ اللّه تعالى عالم بما في الصدور غالب على كلّ
مقدور أمرهم بعده بالعمل و أراد الأعمال الصالحة المطلوبة بالتكاليف الشرعيّة و أن
يجعلوها مهادا لثبات أقدامهم على الصراط المستقيم المأمور بسلوكه ثمّ تلطّف بالجذب
إلى العمل بتذكيرهم بأنّهم في أيّام مهلة و فراغ و متنفّس خناق يمكنهم فيه العمل و
أنّ الّذى يعملونه من الصالحات هو زاد لهم في سفرهم إلى اللّه و إلى دار إقامتهم و
أنّ وراء هذه المهلة إدراك أجل بعده شغل بأهوال الآخرة كناية و أخذ بالكظم ، و كنّى
به عن عدم التمكّن من العمل إذ لم تكن الآخرة دار عمل ثمّ أبّه بالناس و حذّرهم
ربّهم أن يخالفوا فيما أمرهم بحفظه و هو كتابه،و عنى بحفظه تدبّر ما فيه و
المحافظة على العمل بأوامره و نواهيه و هى حقوقه الّتى استودعهم إيّاها ثمّ علّل
ذلك بتنبيههم على أنّ اللّه تعالى لم يخلقهم عبثا خاليا عن وجه الحكمة بل خلقهم
ليستكملوا الفضايل النفسانيّة بواسطة الآلات البدنيّة و لم يجعلهم في وجودهم
مهملين بل ضبط آثارهم و أعمالهم و كتب آجالهم في كتابه المبين و ألواحه المحفوظة
إلى يوم الدين و نظم وجودهم برسول كريم عمّره فيهم و كتاب أوضح لهم فيه السبيل
الّتى لسلوكها خلقهم و أكمل لهم و لنبيّه دينهم الّذى ارتضى لهم و ما أهّلهم له من
الكمالات المسعدة في الآخرة كما قال تعالى «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاٰمَ دِيناً
» 1هو بلّغهم على لسانه ما أحبّ لهم من الخيرات الباقية و كرّهه لهم عن الشرور المشقية
في الآخرة كما اشتملت عليه أوامره و نواهيه و أبان لهم فيه الأعذار و أوضح فيه
الحجج و شحنه بالوعيد و النذر استعارة بالكناية بين يدي عذاب شديد ،و استعار لفظ
اليدين للعذاب و كنّى ببين يديه عن
1) 5-5
نام کتاب : شرح نهج البلاغه ابن ميثم نویسنده : البحراني، ابن ميثم جلد : 2 صفحه : 282