و
قد أجاد جلال الدين السيوطي في جواب هذا السؤال؛ حيث قال:
«من
المعلوم أنّ اللّه تعالى إنّما خاطب خلقه بما يفهمونه. و لذلك أرسل كلّ رسول بلسان
قومه و أنزل كتابه على لغتهم. و إنّما احتيج إلى التفسير؛ لما سيذكر بعد تقرير
قاعدة. و هي أنّ كل من وضع من البشر كتابا، فانّما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح، و
إنّما احتيج إلى الشروح لامور ثلاثة:
أحدها:
كمال فضيلة المصنّف. فانه لقوّته العلمية بجميع المعاني الدقيقة في اللفظ الوجيز،
فربما عسر فهم مراده. فقصد بالشرح ظهور تلك المعاني الخفيّة.
و
من هنا كان شرح بعض الأئمّة تصنيفه أدلّ على المراد من شرح غيره له.
و
ثانيها: إغفاله بعض تتمات المسألة أو شروط لها؛ اعتمادا على وضوحها، أو لأنّها من
علم آخر، فيحتاج إلى الشارح، لبيان المحذوف و مراتبه.
و
ثالثها: احتمال اللفظ لمعان كما في المجاز و الاشتراك و دلالة الالتزام، فيحتاج
إلى الشارح لبيان غرض المصنّف و ترجيحه»[1].
و
لا يخفى أنّ من بين الوجوه الثلاثة المزبورة، إنّما يصلح الوجه الأخير لتوجيه
الحاجة إلى تفسير القرآن، إذا لم تكن الآية محفوفة بقرائن قطعية داخلية، سياقية و
غيرها، و إلّا نفس تلك القرائن تعيّن المعنى المقصود، بلا حاجة إلى التفسير.
و
من وجوه الحاجة إلى علم التفسير، ما سيأتي، من أنّ للقرآن بطنا و تأويلا يختص علمه
بالائمة المعصومين عليهم السلام و أنّ في الآيات محكمات و متشابهات و مجملات، و هي
بحاجة إلى التفسير و التأويل و لا يمكن الأخذ بظهورها البدوي.
و
لا يمكن استكشاف مراد اللّه في مثل هذه الآيات بمعونة العقل، بل لا مناص من