هنا نشأ مذهب المعتزلة.
ثم جاء أبوالحسن الأشعري، و هو كان من أحفاد أبي موسى
الأشعري و تلميذ أبي علي الجبائي و معاصر الكليني، و كان في الأصل
معتزلياً، ثم رجع عن الاعتزال و اختار مذهب الحسن البصري، و إليه
يُنسب مذهب الاشاعرة. و من هنا يقال: إنّ الطائفة الأشعرية تابعوا
الحسن البصري.
أمّا نزاع الأشاعرة و المعتزلة في مسألة تكلّم الباري (تعالى)، فحاصله:
أنّ المعتزلة و كذا الامامية قالوا: إنّ تكلّم الباري من صفات الفعل؛ إذ هو
عبارة عن إيجاده (تعالى) صوتاً في أحد الموجودات، كالشجرة مثلًا،
فيكون حادثاً و لا يمكن أن يكون قديماً. و قالت الأشاعرة: إنّه من صفات
الذات، فيكون قديماً.
و علَّلوا ذلك؛ بأنّ المراد من الكلام ليس هو الكلام اللفظي، بل هو
الكلام النفسي الذي صفة من الصفات النفسانية و هو منشأ الكلام
اللفظي و علّة إيجاده. و لا يختص ذلك بالباري، بل نجد ذلك في أنفسنا
أيضاً. و قالوا: إنّ الكلام النفسي يُسمّى طلباً حقيقياً فيما إذا كان الكلام
اللفظي أمراً، و يُسمّى زجراً حقيقياً إذا كان الكلام اللفظي نهياً.[1]
و ردّهم المعتزلة بأنّا لانجد في أنفسنا غير صفة العلم و الارادة و
[1] -/ راجع شرح المواقف: مبحث الالهيات، ص 76.