ثمّ ذكر
قدّس سرّه أن هناك بحثا معروفا وقع محلا للنزاع بين الأشاعرة من جانب و أهل الحقّ
و المعتزلة من جانب آخر، فالأشاعرة قالوا: إن الطلب يغاير الإرادة و ليسا هما شيئا
واحدا، بينما أهل الحقّ و المعتزلة ذهبوا إلى الاتحاد، و يأتي تحقيق الحال في ذلك
إن شاء اللّه تعالى، و لكن الذي نريد أن نقوله معجّلا هو أن صاحب الفصول وافق
الأشاعرة في القول بالمغايرة بين الطلب و الإرادة، و لعلّ الذي دعاه إلى أن يختار
ذلك هو الانصراف، أي هو اختار المغايرة لأنه لاحظ أن معنى الإرادة يغاير معنى
الطلب و اعتقد أن ذلك تغاير في ذات معناهما و الحال أن الأمر ليس كذلك بل هو تغاير
بسبب الانصراف، فلفظ الإرادة ينصرف إلى الإرادة الحقيقة، و لفظ الطلب ينصرف إلى
الطلب الانشائي، فالتغاير الذي نشعر به هو للانصراف المذكور و ليس لتغاير الإرادة
الحقيقية مع الطلب الحقيقي.
ثمّ
إنه قدّس سرّه أخذ بعد ذلك بايضاح فكرة الاتحاد بين الطلب و الإرادة، ثمّ ايضاح
الدليل على ذلك.
أما
فكرة الاتحاد فذكر في توضيحها ما حاصله: أنّنا ندعي أن لفظ الإرادة و لفظ الطلب
هما موضوعان لمعنى واحد، و هو الشوق الأكيد، فذلك الشوق هو الإرادة و هو الطلب.[1]
و
ندّعي أن الإرادة الانشائية هي عين الطلب الانشائي، فإذا أنشأ شخص الطلب و قال:
اطلب الماء أو آمر باتيان الماء أو آتني بالماء، كان ذلك طلبا انشائيا و هو في نفس
الوقت إرادة انشائية.
[1] و لازم هذا هو الترادف بين الطلب و الإرادة كأسد و
غضنفر، و هو بعيد.