من
الظواهر المألوفة في الحياة الاعتياديّة أن يشرّع المشرّع حكما مؤمنا بصحّة
تشريعه، ثمّ ينكشف له أنّ المصلحة على خلافه، فينسخه و يتراجع عن تقديره السابق
للمصلحة و عن إرادته التي نشأت من ذلك التقدير الخاطئ.
و
هذا الافتراض مستحيل في حقّ الباري سبحانه و تعالى، لأنّ الجهل لا يجوز عليه عقلا،
فأيّ تقدير للمصلحة و أيّ إرادة تنشأ من هذا التقدير لا يمكن أن يطرأ عليه تبدّل و
عدول مع حفظ مجموع الظروف التي لوحظت عند تحقّق ذلك التقدير و تلك الإرادة.
و
من هنا صحّ القول بأنّ النسخ بمعناه الحقيقيّ المساوق للعدول غير معقول في مبادئ
الحكم الشرعيّ من تقدير المصلحة و المفسدة و تحقّق الإرادة و الكراهة.
و
كلّ حالات النسخ الشرعيّ مردّها إلى أنّ المصلحة المقدّرة مثلا كان لها أمد محدّد
من أوّل الأمر و قد انتهى، و أنّ الإرادة التي حصلت بسبب ذلك التقدير كانت محدّدة
تبعا للمصلحة، و النسخ معناه انتهاء