ما أمكنتهم فرصى إلّا انتهزوها، ولا وثبة إلّا اختلسوها، ناكبين عن
منهج الحق، مائلين عن مدرج الصدّق آخذين بقول من لم تكشف ذيلها عنه حرّة ولا حّر[1]. والجامع بينهم وبين الحسد والنفاق
إن لم أقل العناد والكفر، كل ذلك طلبا لغسل عارهم بقذف خيارهم، ودفعا لمقابحهم
ووصماتهم برمي الغير بعاهاتهم إذ لم يجدوا ما يغطي خمولهم سوى انتقاص الأشراف، ولا
ما يستر معايبهم سوى إعابة محاسن الأوصاف، ولا يُغْلي الزمان أشباههم ونظراءهم
إلّا أن يبخسوا الناس أشياءهم، ولعل الذي قتل أسلاف هذه الفرقة بسيف الشريعة
الغراء، أن يلحق بهم أجلاف الشيطان خلفهم تارة أخرى، وأن كفاهم قاتلا. وإنَّ تضييع
عَرف[2] فخرنا لا
يزيده إلّا نشراً، وإضاعة وتكسيد تجارة مجدنا لا تكسبها إلّا ربحا وبضاعة:
فكم سعوا في هدم ما بناه العزّ، ويأبى الله إلَّا أن تشاد منه القلاع
والحصون، وأرادوا أن يطفِئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلّا أن يتم نوره ولو
كره الكافرون[4]. على أنه
لا لوم على من نجم به جدّه، وأطلعه
[1]( من لم تكشف ذيلها عنه حرّة ولا حّر) المعنى
لم يَلِداه.
[3] البيتان لأبي تمام وقد وردت في ديوانه على هذا
النحو:
\sُ وإذا أرادَ اللهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ\z طُويَتْ أتاحَ لها لسَانَ
حسودِ لوْلا اشْتعَالُ النّارِ فيما جَاوَرَتْ\z ماكانَ يُعْرَفُ طيبُ عَرْفِ
العُودِ\Z\E أنظر: شرح ديوان أبي تمام/ الصولي: 1/ 395.
[4] أخذ من قوله تعالى يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا
نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ
وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ سورة التوبة: 32.