فكم لهم من مزايا ومناقب تلوح في سماء المجد
كواكب، وكم أبقوا من الآثار والسير ما هو في جبهة الدهر أوضاح وغرر، بهم استقام
عمود الدين، ورغم أنف المنافقين.
والحاصل أنَّ إحصاء مجدهم، وحصر شرفهم وسؤددهم مما يضيق عنه نطاق
البيان، ويكل عنه لساني بل لسان كل إنسان، وحيث أنّ شكر المنعم على الحرِّ ضربة
لازم[1]، ونهوض
العبد بما يستحقه مولاه من أسنى المغانم وجب عليّ أن أذكر ما منحني الله تعالى من
شرف الآباء والأجداد، وما منحهم من النجدة والسّداد، حامداً شاكراً له، مُذْعنا
إنّي لذلك لم أكن أهله، بل هو محض تفضل منه وإحسان، وتكرّم وامتنان، فلذلك بادرت
إلى حفظ ما أنعم به عليهم وعليَّ، لكيلا تذهب وسيلة الحمد من لدّي، فأكون ممن ضيّع
كرم مولاه وإسداءه، وقابل إحسانه بالإساءة، فجمعت في هذه الرسالة بعض أخبارهم التي
تتناقلها الرّواة، فتعبق بشذاها الأندية، وتقطع مع الركب شاسع الفلوات، حتى تبتهج
بسناها الأباطح والأودية.
مِنْ
كُلِّ مَكْرُمةٍ سَارتْ بذكْرهُمُ في حلٍّ ومُرتحلِ
(سَيْر
الجنوبِ بريحِ العَارضِالهَطلِ)
وكلّ
فَضِيلةٍ عمّ نورُها السهلَ والجبلِ
(كالشَّمْسِ
عَمَّ سَنَاها سائرَ الدوّلِ)
وكلُّ
منقبةٍ تهزأ بالنجم إذا اشتعل فهي
(بلا
مثيلٍ سرتْ في الأرضِ كالمثلِ)
إهداء الكتاب
فجاء بحمد الله خالصاً من العيب صافيا من شوائب الرّيب، وحيث أنّه
يتضمن الشرف المخلد والمجد المؤبد جعلته هدية مني وخدمة لصاحب العز والحشمة،
المُجلّي بسنا مُحيّاه عناكيد الظَّلمة والظُلمة، الحسن قولا
[1] قوله( ضربة لازم): أي ثابتة، وقولهم: صار
الشيء ضربة لازم كقولهم ضربة لازب.