هذا ما أمكن ضبطه للكاتبين ساعة الألقاء من خطاب سماحته في (جامع
المقام) في العشار يوم 7 ذي القعدة 1352 ه- الموافق 21 شباط 1934 م. وقد ذهب أكثر
من ثلثها لعدم أمكان ضبطه لشدة انحدار الخطيب في الكلام بين حماسه وتهيجه.
أول حادث حدث في البشرية، منذ فجر يومها الأول ومبدأ تاريخها القديم،
أن قتل نصف العالم نصفه، حيث قتل أبن آدم أخاه. ومن ذلك اليوم أخذت البشرية تقاسي
آلاماً وتعامي عللًا وأسقاماً، ويعادي ويعتدي بعضها على بعض، وفي كل يوم ينتشر
الشر، ويتفاقم البلاء، وتعظم الرزية.
على ذلك تعاقبت الأيام، وسلفت الدهور، ومضت القرون، ونسلت الأحقاب ..
وإذا بالفضيلة تهبط إلى الحضيض وتتربع الرذيلة على كرسيها، فتعالى الضرر، وتفاقم
الشر، وأستحكمت العصبية، وبقى العالم يسود فيه التباغض والتحاسد والتناكر
والتفاسد، ولا شيء فيه من التراحم والتوادد .. غنيهم يستعبد فقيرهم، وقويهم يفترس
ضعيفهم، يغتصب كل منهم حقَّ صاحبه، ويشرب كل واحد دمَّ أخيه، ولكن الغاية الأزلية-
جلت بركاتها- لم تزل تشفق على هذا المخلوق التعيس، فترسل إليه رسلًا