لما فرغنا من البحث عن
أقسام الحكم الشرعي شرعنا في ذكر مراتبه فنقول قد ذكر المتأخرون للحكم مراتب
أربعة:
أولها مرتبة الاقتضاء: وربما يعبر
عنها بمرتبة الشأنية وهي ليست إلّا عبارة عن تمامية المصلحة أو
المفسدة في الفعل الموجبة لإنشاء الحكم فيه فهو نظير مرتبة وجود المعلول بوجود
العلة، فإنها مرتبة اقتضائية محضة للشيء وليس للشيء فيها إلّا شأنية الوجود
الحقيقي الخارجي، فجعل هذه المرتبة من مراتب ثبوت الحكم بملاحظة أن المقتضى له نحو
ثبوت في مرتبة ذات المقتضي، وإن شئت فقل أن مرتبة قيام المصلحة والمفسدة في الفعل
وكمالهما فيه قبل إنشاء الحكم وجعله يكون نظير ما إذا بلغت المضغة حداً ومرتبة
تكون بها مستعدة لأن يفيض عليها الخالق الإنسانية فإنها بتلك المرتبة تكون
للإنسانية نحو وجود انطوائي فيها، فكذا ما نحن فيه فإن استعداد الفعل بملاحظة
اقتضاء ما يترتب عليه من المصلحة والمفسدة لافاضة الحكم لا ينبغي إنكاره. وهذا
معنى ثبوت الحكم في هذه المرتبة إلّا أنه ليس بثبوت حقيقي بل هو شأني واقتضائي
ولهذا تجد المرحوم الآخوند قد عبر عن ثبوت الحكم في هذه المرتبة تارة
(شأنية الثبوت) كما في تعليقته في مبحث الظن وعبر عنه تارة أخرى (بثبوته بثبوت
مقتضيه) في مبحث العلم الإجمالي في فوائده.
ثانيها مرتبة الإنشاء: وهي مرتبة سن
الحكم وجعله من دون إرادة أو شوق لوقوع متعلقه من العبد، ومن د ون كراهة أو بغض
لوقوع متعلقه من العبد أو غير ذلك. وهي التي كانت عليها أكثر الأحكام في صدر
الإسلام وبعض منها مستمر إلى قيام الإمام صاحب الزمان (عجل الله تعالى