فَبَادَرُوا الْعَمَلَ وَ کَذَّبُوا الْأَمَلَ فَلاَحَظُوا الْأَجَلَ ثُمَّ إِنَّ الدُّنْیَا دَارُ فَنَاءٍ وَ عَنَاءٍ وَ غِیَرٍ وَ عِبَرٍ فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ [1] لاَ تُخْطِئُ سِهَامُهُ وَ لاَ تُؤْسَی [2] جِرَاحُهُ یَرْمِی الْحَیَّ بِالْمَوْتِ وَ الصَّحِیحَ بِالسَّقَمِ وَ النَّاجِیَ بِالْعَطَبِ آکِلٌ لاَ یَشْبَعُ وَ شَارِبٌ لاَ یَنْقَعُ [3]. وَ مِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ یَجْمَعُ مَا لاَ یَأْکُلُ وَ یَبْنِی مَا لاَ یَسْکُنُ ثُمَّ یَخْرُجُ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی لاَ مَالاً حَمَلَ وَ لاَ بِنَاءً نَقَلَ وَ مِنْ غِیَرِهَا [4] أَنَّکَ تَرَی الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً وَ الْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً لَیْسَ ذَلِکَ إِلاَّ نَعِیماً زَلَّ [5]
وَ بُؤْساً نَزَلَ وَ مِنْ عِبَرِهَا أَنَّ الْمَرْءَ یُشْرِفُ عَلَی أَمَلِهِ فَیَقْتَطِعُهُ حُضُورُ أَجَلِهِ فَلاَ أَمَلٌ یُدْرَکُ وَ لاَ مُؤَمَّلٌ یُتْرَکُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعَزَّ سُرُورَهَا! وَ أَظْمَأَ رِیَّهَا وَ أَضْحَی فَیْئَهَا [6] لاَ جَاءٍ یُرَدُّ [7] وَ لاَ مَاضٍ یَرْتَدُّ. فَسُبحَانَ اللّهِ مَا أَقرَبَ الحیَ ّ مِنَ المَیّتِ لِلَحَاقِهِ بِهِ وَ أَبعَدَ المَیّتَ مِنَ الحیَ ّ لِانقِطَاعِهِ عَنهُ إِنّهُ لَیسَ شَیءٌ بِشَرّ مِنَ الشّرّ إِلّا عِقَابُهُ وَ لَیسَ شَیءٌ بِخَیرٍ مِنَ الخَیرِ إِلّا ثَوَابُهُ وَ کُلّ شَیءٍ مِنَ الدّنیَا سَمَاعُهُ أَعظَمُ مِن عِیَانِهِ وَ کُلّ شَیءٍ مِنَ الآخِرَهِ عِیَانُهُ أَعظَمُ مِن سَمَاعِهِ فَلیَکفِکُم مِنَ العِیَانِ السّمَاعُ وَ مِنَ الغَیبِ الخَبَرُ وَ اعلَمُوا أَنّ مَا نَقَصَ مِنَ الدّنیَا وَ زَادَ فِی الآخِرَهِ خَیرٌ مِمّا نَقَصَ مِنَ الآخِرَهِ وَ زَادَ فِی الدّنیَا فَکَم مِن مَنقُوصٍ رَابِحٍ وَ مَزِیدٍ خَاسِرٍ إِنّ ألّذِی أُمِرتُم بِهِ أَوسَعُ مِنَ ألّذِی نُهِیتُم عَنهُ وَ مَا أُحِلّ
[1] 1551. «الدّهْر مُوتِرٌ قَوْسَهُ»: شبّهه بمن أوتر قوسه لیرمی بها أبناءه.
[2] 1552.تُؤسی: تداوی، من «أسوت الجراح». داویته.
[3] 1553.لا یَنْقَع: لا یشتفی من العطش بالشرب.
[4] 1554.غِیَرُها - بکسر الغین و فتح الراء - تقلّباتها.
[5] 1555. «لیس ذلک إلا نعیماً زَلّ»: من «زلّ فلان زلیلا و زلولا» إذا مرّ سریعا. و المراد: انتقل.
[6] 1556.أضْحی: برز للشمس، و الفیء: الظلّ بعد الزوال، أو مطلقا.
[7] 1557. «لا جاء یُرَدّ»: الجائی یرید به الموت.