ولكن كون ذلك
على سبيل الوجوب غير معلوم الدليل ، إذ لا دليل على وجوب التفصيل المشهور ، ويؤيّد
عدمه الأصل ، والرواية الصحيحة [١] وظاهر الآية وخفاء معنى الجهر والإخفات ، وبيانهم في
الرجل بحيث يعدّ عرفا جهرا والإخفات بما لا يسمعه القريب [أو] بحيث لا يعدّ عرفا
جهرا ، بل يعدّ إخفاتا ، وإن كان ممّا يسمعه القريب بل البعيد أيضا وفي المرءة لا
يسمعه الأجنبيّ ، غير معلوم المأخذ ، مع عدم الوضوح ، والبيان ، فانّ فيه خفاء ،
فيمكن حمل الرواية المجملة في الجهر والإخفات على الاستحباب ، للجمع كما هو مذهب
علم الهدى في الانتصار والله يعلم بحقيقة الحال والصواب.
وقال في
الكشّاف (بِصَلاتِكَ) بقراءة صلاتك على حذف المضاف ، لأنّه لا يلتبس من قبل
أنّ الجهر والمخافتة صفتان تعتقبان على الصوت لا غير ، والصلاة أفعال وأذكار ،
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يرفع صوته بقراءته ، فإذا سمعه المشركون لغوا وسبّوا ،
فأمر بأن يخفض من صوته ، والمعنى ولا تجهر حتّى تسمع المشركين ولا تخافت حتّى لا
تسمع من خلفك ، وابتغ بين الجهر والمخافتة سبيلا وسطا انتهى ، هذا مع عدم ظهوره لا
يوافق المسئلة ، إذ ليس دائما مأمورا بإسماع من خلفه ، بل مأمور في بعضها بذلك في الجملة
وفي بعضها بعدمه ، وذهب قوم إلى أنّ الآية منسوخة بقوله (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً
وَخُفْيَةً)[٢] وابتغاء السبيل مثل لانتحاء الوجه الوسط في القراءة
وفيها ما تقدّم ، مع زيادة لزوم النسخ ، على أنّه غير لازم لإمكان الجمع فتأمّل.