(وَكانَ اللهُ
عَلِيماً) أي لم يزل عالما بكلّ الأشياء فمنه حال القاتل وقصده
والمقتول وإيمانه (حَكِيماً) فيما يأمر به وينهى عنه مطلقا ، وكان مخفيا علينا في
بعض الموادّ مثل التوبة في هذا المقام ، وإيجاب الكفّارة والدية مع عدم التكليف ،
وكذا إيجابها على العاقلة من غير مدخليّتها فيريد الإشارة إلى أنّه إذا خفي عليكم
الحكمة لا تحكموا بعدمها ، أو عدم علم الحاكم فإنّه كفر نعوذ بالله ، وخفاؤها لا
يدلّ على نفيها فينبغي فيه التفكّر ليصل ، فان لم يصل يحكم بوجودها وعلم الحاكم
بها ، وعدم فهمه لنا ، إمّا لعدم التفكّر على ما ينبغي أو وجود ما يمنع الفهم من
الكدورات الظاهريّة والباطنيّة ، أو لحكمة تكون في عدم الفهم الله يعلم.
أي فرضنا عليهم
في التوراة أنّ النّفس تقتل بالنفس ، إذا قتلها بغير حقّ ، وكذا العين تفقأ بالعين
والأنف يجذم بالأنف ، والاذن تقطع بالاذن ، والسنّ يقلع بالسنّ (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) أي كلّ جرح ذي قصاص يثبت لصاحبه القصاص ، كانّ المراد
غير ما ذكر أو أعمّ فليس من إجمال الحكم بعد تفصيله كما قاله القاضي والمعلوم أنّ
المراد جرح يمكن قصاصه ، وإلّا فالأرش والحكومة ، وتفصيله في غير هذا المحلّ.
(فَمَنْ تَصَدَّقَ
بِهِ ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) أي من تصدّق بالقصاص بأن يعفو عنه مطلقا فالتصدّق
كفّارة للمتصدّق يكفّر الله به ذنوبه ، ففيه أيضا دلالة على إطلاق التصدّق على
الإبراء والعفو والاسقاط ، وعلى وقوع التكفير والآيات والأخبار مملوّة منه.
واعلم أنّ الظاهر
أنّه وقع الإجماع على وجود الحكم بعينه في شرعنا ، كأنّه بمنزلة قوله كتبنا عليهم
في التوراة كذا وكذلك عليكم هنا فهو موجود في أمّة