وأيضا قال :
وأمّا الّذين لهم العفو عن القصاص فكلّ من يرث الدية إلّا الزوج والزوجة عند غير
أصحابنا فلا يستثنونهما ، وفيه أيضا تأمّل إذ الزوج والزوجة لا يرثان القصاص ،
ولعلّ ما فيه خلاف عندهم ، نعم يرثان من الدية مع العفو عليها فلا معنى لعفوهما عن
القصاص ، فكأنّه يريد إرث الدية فتأمّل.
(فَاتِّباعٌ
بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) أي فعلى العافي اتّباع بالمعروف أي لا يشدّد في الطلب
وينظره إن كان معسرا ولا يطالبه بالزيادة على حقّه ، وعلى المعفوّ له أداء إليه أي
إلى الوليّ بإحسان ، أي الدفع عند الإمكان من غير مطل وهو المرويّ عن أبي عبد الله
عليهالسلام ، وقيل المراد فعلى المعفوّ عنه الاتّباع والأداء و (ذلِكَ) إشارة إلى جميع ما تقدّم (تَخْفِيفٌ مِنْ
رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) معناه جعل القصاص والدية والعفو والتخيير بينهما تخفيف
من الله ورحمة لكم ، قيل كان لأهل التوراة القصاص فقط ، ولأهل الإنجيل العفو
مطلقا.
(فَمَنِ اعْتَدى
بَعْدَ ذلِكَ) بأن قتل بعد قبول الدية والعفو ، وهو المرويّ عن أبي
جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام وقيل بأن قتل غير القاتل سواء قتله أيضا أم لا ، أو طلب
أكثر ممّا وجب له من الدية ، وقيل بأن يجاوز الحدّ بعد ما بيّن له كيفيّة القصاص ،
وقال القاضي : يجب الحمل على الجميع للعموم (فَلَهُ عَذابٌ
أَلِيمٌ) في الآخرة كذا في المجمع والكشّاف ويحتمل كون العذاب في
الدنيا أيضا بالقصاص وبالتعزير ، وكذا يمكن حمل الاعتداء على الأعمّ من المذكورات
، بأن لا يتّبع بالمعروف ولا يؤدّي بالإحسان ، أو لا يسلم القاتل نفسه للقصاص ،
وبالجملة ومن تعدّى عمّا شرّع أعمّ من القاتل والمقتول وغيرهما ، وعن أحكام القصاص
وغيره لعموم اللّفظ.
فتركيب الآية
أنّ القصاص مفعول قائم مقام فاعل كتب ، والحرّ مبتدأ وخبره بالحرّ متعلّقا بمقدّر
، مثل يقتصّ ، وكذا ما بعده ، والمجموع بيان لكيفيّة القصاص ، أو يكون الحرّ فاعل
فعل محذوف أي يقتصّ الحرّ وكذا الباقي و «من» في (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ
مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) موصولة مبتدأ ، والجملة صلته «وشيء» مفعول مطلق قائم