قد اختلف في
تفسير السفيه ، والظاهر المتبادر منه غير الرشيد أعني المبذّر أمواله ومن يصرفها
فيما لا ينبغي ولا يهتمّ بإصلاحها وبتميّزها والتصرّف فيها ، ولهذا فسّره في
الكشّاف وغيره به ، وقد فسّر في الكتب الفقهيّة أيضا به بحيث صار حقيقة في ذلك
عندهم ، وهو قريب من معناه اللّغويّ فيتعيّن حمله عليه لرجحانه على سائر ما قيل
فيه ، إذ لا دليل لغيره ، ثمّ إنّ الظاهر من أكثر المفسّرين رجحان أنّ المراد
بأموالكم أموال السفهاء والخطاب لأوليائهم والعموم أظهر ، والّذي يدلّ على أنّ
المراد أموالهم قوله تعالى (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) فانّ الضمير راجع إلى السفهاء ، فلو لم يكن المراد
أموالهم يلزم [إيجاب] أرزاق السفهاء على غيرهم مطلقا ، أو على الأولياء من غير
أموال السفهاء ولا قائل به ، والتقدير «إن كانوا ممّن يجب نفقتهم» تكلّف.
وأيضا يدلّ
عليه قوله (وَقُولُوا لَهُمْ
قَوْلاً مَعْرُوفاً) فانّ الظاهر أنّ الخطاب للأولياء ، أو لمن بيده مال
السفهاء ، لأنّه فسّر بأن يقولوا لهم قولا جميلا معروفا شرعا وعقلا ، بأن يعدهم
وعدا حسنا ، مثل إن صلحتم ورشدتم سلّمنا إليكم أموالكم أو إذا ربحتم أعطيتم أو أن
يتلطّفوا بهم ويقال لهم كلام مشعر بالرشد وينبّهوهم على ذلك ويرشدوهم إليه بطريق
حسن ونحو ذلك ، فيكون إضافة الأموال إليهم للملابسة ، مثل كونهم قوّامين عليها ، ومتصرّفين
فيها كالملّاك وللإشارة إلى أنّه لا بدّ من المبالغة في حفظها كحفظهم أموالهم ،
ولأنّه من جنس أموالهم الّتي بها قيام الكلّ كما في قوله تعالى
«وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ»
«فَمِنْ
ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ»
[١] فانّ المراد عدم قتل البعض بعضا ، وجنس ما ملكت الأيمان ، وجنس الفتيات ،
لا نفس المخاطب ، وما ملكت يمينه وفتياته فقطّ ولعلّ ارتكاب هذا المقدار في
الإضافة الّتي يكفيها أدنى ملابسة أولى من جعل الأموال للمخاطبين لما عرفت فتأمّل
، ويدلّ عليه أيضا ما بعد الآية فإنّه في بيان أحكام الأيتام والرشد ، ومن بيده
المال وهو مؤيّد للعموم الّذي قلناه ، وقال القاضي : نهي للأولياء عن أن يؤتوا