عن التقليد ، فإنّه حقيقة تابع للدّليل ، إذ لا فرق في اتّباع الدليل بين
أن يكون المتّبع شخصا أو غيره ولهذا قالوا التقليد هو قبول قول الغير بغير دليل
على القبول وأنّ تقليد الأنبياء بل تقليد المجتهدين ليس بتقليد ، بل استدلال كما
في المجتهد لتحقيق مسئلة بدليل وإنّما يقال له التقليد بمعنى آخر غير المعنى الّذي
هو مذموم وغير مجوّز.
فتقليد المجتهد
حسن وجائز ، بل واجب بعد وجود دليل على ذلك كاجتهاد المجتهد ، وهو ظاهر ومبيّن في
الأصول ، وهو المراد بالتقليد المفهوم «من
أَوَلَوْ
كانَ» الآية وأمثاله والّذي لا يجوز ومذموم كما يدلّ عليه قوله
تعالى (وَلا تَقْفُ ما
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)[١] وأمثاله أي لا تقل ولا تفعل إلّا ما تعلم جوازه ،
فالمراد به التقليد بغير دليل معلوم ، فإنه التقليد ، وبه يجمع بين جواز التقليد
وعدم جوازه ، وجواز العمل بالظنّ وعدم جواز العمل والتكليف بالعلم ، أي العمل
بالظنّ بمحض الاشتهاء والتقليد ، ويراد بالتكليف بالعلم أعمّ من الظنّ الحاصل من
دليل كما للمجتهد ، لا بحمل ما يفيد الظنّ ، وجواز التقليد على الفروع ، والتكليف
بالعلم وعدم جواز الظنّ والتقليد على الأصول الكلاميّ كما هو المشهور إذ لا دليل
عليه ، ولعدم الفرق ، نعم لو ثبت أنّه لا بدّ في الأصول من العلم اليقيني في جميع
مسائله وفي الفروع يكفي مطلق الظنّ ، لتمّ ذلك ، وهو مشكل ، وتخصيص بعض الظنون دون
بعض يحتاج إلى تأويل وتصرّف مؤوّل إلى ما قلناه ، على أنا قد ادّعينا حصول العلم
بالتقليد للمقلد في الفروع وغيره ، إذا كان عن دليل كتقليد المعصوم كما قالوه
للمجتهد بأنّه يقول : هذا ما أفتى به المفتي ، وكلّ ما أفتى به المفتي حقّ وواجب العمل
، والمقدّمة الأولى مفروضة ، والثانية ثابتة بالدّليل ، وبالفرض أيضا فالنتيجة
علميّة فتأمل.
وقوله (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ
وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)[٢] يدلّ على عدم جواز