عابدا زاهدا منهمكا في العبادة[1] و ليس له علم و لا حكم و
كان روبيل صاحب غنم يرعاها و يتقوت منها، و كان تنوخا رجلا حطابا يحتطب على رأسه و
يأكل من كسبه، و كان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا لعلم روبيل و حكمته و
قديم صحبته، فلما رأى أن قومه لا يجيبونه و لا يؤمنون ضجر و عرف من نفسه قلة
الصبر، فشكا ذلك الى ربه و كان فيما شكا أن قال: يا رب انك بعثتني الى قومي و لي
ثلاثون سنة فلبثت فيهم ادعوهم الى الايمان بك و التصديق برسالتي و أخوفهم عذابك و
نقمتك ثلاثا و ثلاثين سنة فكذبوني، و لم يؤمنوا بى و جحدوا نبوتي و استخفوا
برسالتي، و قد توعدوني و خفت أن يقتلوني، فأنزل عليهم عذابك فإنهم قوم لا يؤمنون.
فأوحى الله الى يونس:
ان فيهم الحمل و
الجنين و الطفل و الشيخ الكبير و المرأة الضعيفة و المستضعف المهين و انا الحكم
العدل، سبقت رحمتي غضبى، لا اعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك، و هم يا يونس عبادي
و خلقي و بريتي في بلادي و في عيلتي، أحب أن أتأناهم[2] و ارفق بهم و انتظر
توبتهم، و انما بعثتك الى قومك لتكون حيطا عليهم تعطف عليهم سخاء الرحمة الماسة
منهم و تتأناهم برأفة النبوة فاصبر معهم بأحلام الرسالة و تكون لهم كهيئة الطبيب
المداوى العالم بمداواة الدواء، فخرجت بهم و لم تستعمل قلوبهم بالرفق، و لم تسسهم
بسياسة المرسلين، ثم سألتنى مع سوء نظرك العذاب لهم عند قلة الصبر منك و عبدي نوح
كان أصبر منك على قومه و أحسن صحبة و أشد تأنيا في الصبر عندي، و أبلغ في العذر،
فغضبت له حين غضب لي و أجبته حين دعاني؛ فقال يونس: يا رب انما غضبت عليهم فيك و
انما دعوت عليهم حين عصوك فو عزتك لا أنعطف عليهم برأفة أبدا، و لا انظر إليهم
بنصيحة شفيق بعد كفرهم و تكذيبهم إياي، و جحدهم نبوتي، فأنزل عليهم عذابك فإنهم لا
يؤمنون أبدا فقال الله: يا يونس انهم مأة الف أو يزيدون من خلقي يعمرون بلادي و يلدون
عبادي و محبتي أن أتأناهم للذي سبق من علمي فيهم و فيك، و تقديري و تدبيري غير
علمك و تقديرك، و أنت المرسل و انا الرب الحكيم، و علمي