فنحن نكتفي بهذا، فقال رجل من الجلساء: انا رأيناكم تزهدون في
الاطعمة الطيبة و مع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تمتعوا أنتم منها،
فقال له أبو عبد الله عليه السلام: دعوا عنكم ما لا ينتفع به، أخبرونى أيها النفر
أ لكم علم بناسخ القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه، الذي في مثله ضل من ضل و
هلك من هلك من هذه الامة؟ فقالوا: أو بعضه فاما كله فلا، فقال لهم: فمن هنا أتيتم[1] و كذلك
أحاديث رسول الله صلى الله عليه و آله فاما ما ذكرتم من اخبار الله عز و جل إيانا
في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم فقد كان مباحا جائزا، و لم يكونوا
نهوا عنه و ثوابهم منه على الله عز و جل؛ و ذلك ان الله جل و تقدس امر بخلاف ما
عملوا به، فصار امره ناسخا لفعلهم، و كان نهى الله تبارك و تعالى رحمة منه
للمؤمنين و نظرا لكي لا يضروا بأنفسهم و عيالاتهم، و منهم الضعفة الصغار و
الولدان، و شيخ الفاني و العجوزة الكبيرة الذين لا يصبرون على الجوع، فان تصدقت
برغيفي و لا رغيف لي غيره ضاعوا و هلكوا جوعا فمن ثم قال رسول الله صلى الله عليه
و آله و سلم: خمس تمرات أو خمس قرص أو دنانير أو دراهم يملكها الإنسان و هو يريد
ان يمضيها فأفضلها ما أنفقه الإنسان على والديه، ثم الثانية على نفسه و عياله، ثم
الثالثة على قرابته الفقراء، ثم الرابعة على جيرانه الفقراء، ثم الخامسة في سبيل
الله و هو أحسنها اجرا، و قال للأنصاري حين أعتق عند موته خمسة أو ستة من الرقيق و
لم يكن يملك غيرهم و له أولاد صغار لو أعلمتمونى امره ما تركتكم تدفنوه مع
المسلمين بترك صبية صغارا يتكففون الناس[2].
ثم قال: حدثني أبى ان
رسول الله صلى الله عليه و آله قال: ابدأ بمن تعول الأدنى، ثم هذا ما نطق به
الكتاب ردا لقولكم، و نهيا عنه مفروضا من الله العزيز الحكيم، قال: «وَ
الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ
ذلِكَ قَواماً» أ فلا ترون ان الله تبارك و تعالى قال غير ما أراكم تدعون
الناس اليه؛ من الاثرة على