أن لا يمطر السماء على قريتهم حتى يسأله ذلك فاخرجوا أيها
المؤمنون من هذه القرية الى غيرها من القرى، فخرجوا منها و عدّتهم يومئذ عشرون
رجلا، فتفرقوا في القرى و شاع خبر إدريس في القرى بما سأل ربه، و تنحى إدريس الى
كهف من الجبل شاهق[1] فلجأ اليه
و وكل الله عز و جل به ملكا يأتيه بطعامه عند كل مساء و كان يصوم النهار فيأتيه
الملك بطعامه عند كل مساء، و سلب الله عز و جل عند ذلك ملك الجبار و قتله و أخرب
مدينته و أطعم الكلاب لحم امرأته غضبا للمؤمن، فظهر في المدينة جبار آخر عاص،
فمكثوا بذلك بعد خروج إدريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم قطرة من
مائها فجهد القوم و اشتدت حالهم و صاروا يمتارون الاطعمة[2] من القرى من بعد، فلما
جهدوا مشى بعضهم الى بعض، فقالوا: ان الذي نزل بنا مما ترون لسؤال إدريس ربه أن لا
يمطر السماء علينا حتى يسأله هو، و قد تنحى إدريس عنا و لا علم لنا بموضعه و الله
أرحم بنا منه، فأجمع أمرهم على ان يتوبوا الى الله و يدعوه و يفزعوا اليه و يسألوه
أن يمطر السماء عليهم و على ما حوت قريتهم، فقاموا على الرماد و لبسوا المسوح و
حثوا على رؤسهم التراب[3] و عجوا
الى الله بالتوبة و الاستغفار و البكاء و التضرع اليه.
فأوحى الله عز و جل
الى إدريس: يا إدريس ان أهل قريتك قد عجوا الى بالتوبة و الاستغفار و البكاء و
التضرع، و انا الله الرحمن الرحيم اقبل التوبة و أعفو عن السيئة و قد رحمتهم و لم
يمنعني من اجابتهم الى ما سألونى من المطر الا مناظرتك فيما سألتنى أن لا أمطر
السماء عليهم حتى تسألنى، فاسألنى يا إدريس حتى أغيثهم و أمطر السماء عليهم. قال
إدريس: اللهم انى لا أسئلك ذلك. قال الله عز و جل: ألم تسألنى يا إدريس