قال: فغلبت قدرة الله و قضائه و نافذ أمره في يعقوب و يوسف و
اخوته، فلم يقدر يعقوب على دفع البلاء عن نفسه و لا عن يوسف و ولده، فدفعه إليهم و
هو لذلك كاره متوقع للبلوى من الله فيوسف، فلما خرجوا من منزلهم لحقهم مسرعا
فانتزعه من أيديهم فضمه اليه و اعتنقه و بكى و دفعه إليهم، فانطلقوا به مسرعين
مخافة أن يأخذه منهم و لا يدفعه إليهم، فلما أيقنوا به أتوا به غيضة أشجار[1] فقالوا:
نذبحه و نلقيه تحت هذه الشجرة فيأكله الذئب الليلة، فقال كبيرهم: لا
تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ
السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ فانطلقوا به الى الجب و ألقوه فيه و هم
يظنون انه يغرق فيه، فلما صار في قعر الجب ناداهم: يا ولد رومين اقرأوا يعقوب
السلام منى، فلما رأوا كلامه قال بعضهم لبعض: لا تزالوا من هاهنا حتى تعلموا انه
قد مات، فلم يزالوا بحضرته حتى آيسوا و رجعوا الى أبيهم عشاء يبكون «قالُوا: يا
أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا
فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ» فلما سمع مقالتهم استرجع و استعبر و ذكر ما أوحى الله عز و
جل اليه من الاستعداد للبلاء فصبروا أذعن للبلوى، فقال لهم: «بَلْ سَوَّلَتْ
لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً» و ما كان الله ليطعم لحم يوسف للذئب من قبل ان
أرى تأويل رؤياه الصادقة.
قال أبو حمزة: ثم
انقطع حديث على بن الحسين عليهما السلام عند هذا فلما كان من الغد غدوت عليه فقلت
له: جعلت فداك انك حدثتني أمس بحديث ليعقوب و ولده ثم قطعته فما كان من قصة اخوة
يوسف و قصة يوسف بعد ذلك؟ فقال انهم لما أصبحوا قالوا: انطلقوا بنا حتى ننظر ما
حال يوسف أ مات أم هو حي؟ فلما انتهوا الى الجب وجدوا بحضرة الجب سيارة و قد
أرسلوا واردهم و ادلى دلوه، إذ هو بغلام متعلق بدلوه فقال لأصحابه: «يا بُشْرى
هذا غُلامٌ» فلما أخرجوه أقبلوا إليهم اخوة يوسف فقالوا: هذا عبدنا سقط
منا أمس في هذا الجب و جئنا اليوم لنخرجه فانتزعوه من أيديهم و تنحوا به ناحية
فقالوا له: إما ان تقر لنا انك عبدنا فنبيعك بعض هذه السيارة أو نقتلك فقال لهم
يوسف: لا تقتلوني و اصنعوا
[1] الغيضة: مجتمع الشجر في مغيض ماء. الأجمة. و
يقال له بالفارسية« جنگل».