على المسلمين لأنا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير
كاملين، مع اختلافهم و اختلاف أهوائهم و تشتت انحائهم، فلو لم يجعل لهم قيما حافظا
لما جاء به الرسول لفسدوا على نحو ما بينا و غيرت الشرائع و السنن و الأحكام و
الايمان و كان في ذلك فساد الخلق أجمعين.
فان قيل: فلم لا يجوز
أن يكون في الأرض إمامان في وقت واحد أو أكثر من ذلك؟
قيل لعلل: منها ان
الواحد لا يختلف فعله و تدبيره، و الاثنين لا يتفق فعلمها و تدبيرهما، و ذلك انا
لم نجد اثنين الا مختلفي الهمم و الارادة، فاذا كان اثنين ثم اختلف هممهما و
ارادتهما و تدبيرهما و كانا كلاهما مفترضي الطاعة لم يكن أحدهما اولى بالطاعة من
صاحبه، فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق و التشاجر و الفساد ثم لا يكون أحدهما مطيعا
لأحدهما الا و هو عاص للآخر، فتعم المعصية أهل الأرض ثم لا يكون لهم مع ذلك السبيل
الى الطاعة و الايمان، و يكونوا انما أتوا في ذلك من قبل الصانع الذي وضع لهم باب
الاختلاف و التشاجر، إذا أمرهم باتباع المختلفين و منها انه لو كانا إمامين كان
لكل من الخصمين أن يدعوا لي غير ما يدعو اليه صاحبه في الحكومة، ثم لا يكون أحدهما
أولى بأن يتبع من صاحبه فتبطل الحقوق و الأحكام و الحدود و منها انه لا يكون واحد
من الحجتين أولى بالنطق و الحكم و الأمر و النهى من الاخر، و إذا كان هذا كذلك وجب
عليهما أن يبتدئا بالكلام، و ليس لأحدهما أن يسبق له صاحبه بشيء إذا كانا في
الامامة شرعا واحدا فان جاز لأحدهما السكوت جاز السكوت للآخر مثل ذلك، و إذا جاز
لهما السكوت بطلت الحقوق و الأحكام و عطلت الحدود و صار الناس كأنهم لا امام لهم.
فان قال: فلم لا يجوز
أن يكون الامام من غير جنس الرسول عليه السلام: قيل: لعلل:
منها انه لما كان
الامام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه و يتميز بها من غيره و هي
القرابة المشهورة و الوصية الظاهرة، ليعرف من غيره و يهتدى اليه بغيره و منها انه
لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسول، إذ جعل أولاد
الرسول اتباعا لأولاد أعدائه كأبى جهل و ابن أبى معيط لأنه قد يحوز بزعمه أن ينتقل
ذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين فيصيروا أولاد الرسول تابعين و أولاد أعداء الله
و أعداء رسوله