نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 9 صفحه : 147
والآية تتضمن
إنشاء الحكم والقضاء بالبراءة من هؤلاء المشركين وليس بتشريع محض بدليل تشريكه
النبي صلىاللهعليهوآله في البراءة فإن دأب القرآن أن ينسب الحكم التشريعي
المحض إلى الله سبحانه وحده ، وقد قال تعالى : « وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً » الكهف : ـ ٢٦ ولا ينسب إلى النبي صلىاللهعليهوآله إلا الحكم بالمعنى الذي في الولاية والسياسة وقطع
الخصومة.
فالمراد بالآية
القضاء برفع الأمان عن الذين عاهدوهم من المشركين وليس رفعا جزافيا وإبطالا للعهد
من غير سبب يبيح ذلك فإن الله تعالى سيذكر بعد عدة آيات أنهم لا وثوق بعهدهم الذي
عاهدوه وقد فسق أكثرهم ولم يراعوا حرمة العهد ونقضوا ميثاقهم ، وقد أباح تعالى عند
ذلك إبطال العهد بالمقابلة نقضا بنقض حيث قال : « وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً
فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ » الأنفال : ـ ٥٨ فأباح إبطال العهد عند مخافة الخيانة
ولم يرض مع ذلك إلا بإبلاغ النقض إليهم لئلا يؤخذوا على الغفلة فيكون ذلك من
الخيانة المحظورة.
ولو كان إبطالا
لعهدهم من غير سبب مبيح لذلك من قبل المشركين لم يفرق بين من دام على عهده منهم
وبين من لم يدم عليه ، وقد قال تعالى مستثنيا : « إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ
أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْمُتَّقِينَ ».
ولم يرض تعالى
بنقض عهد هؤلاء المعاهدين الناقضين لعهدهم دون أن ضرب لهم أجلا ليفكروا في أمرهم
ويرتئوا رأيهم ولا يكونوا مأخوذين بالمباغتة والمفاجأة.
فمحصل الآية
الحكم ببطلان العهد ورفع الأمان عن جماعة من المشركين كانوا قد عاهدوا المسلمين ثم
نقضه أكثرهم ولم يبق إلى من بقي منهم وثوق تطمئن به النفس إلى عهدهم وتعتمد على
يمينهم وتأمن شرهم وأنواع مكرهم.
قوله
تعالى : «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ
مُخْزِي الْكافِرِينَ » السياحة هي السير في الأرض والجري ولذلك يقال للماء الدائم
الجرية في ساحة : السائح.
وأمرهم
بالسياحة أربعة أشهر كناية عن جعلهم في مأمن في هذه البرهة من الزمان وتركهم بحيث
لا يتعرض لهم بشر حتى يختاروا ما يرونه أنفع بحالهم من البقاء أو
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 9 صفحه : 147