نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 9 صفحه : 12
ويجري على ما يحكم عليه من الأحكام ويشرعه من الشرائع فيأتمر بأوامره
وينتهي عن نواهيه ، وهو قوله تعالى : « وَعَلى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ ».
ثم إذا استقر
الإيمان على كماله في القلب ، استوجب ذلك أن ينعطف العبد بالعبودية إلى ربه ،
وينصب نفسه في مقام العبودية وإخلاص الخضوع وهو الصلاة ، وهي أمر بينه وبين ربه ،
وأن يقوم بحاجة المجتمع في نواقص مساعيهم بالإنفاق على الفقراء مما رزقه الله من
مال أو علم أو غير ذلك ، وهو أمر بينه وبين سائر أفراد مجتمعة ، وهو قوله تعالى :
« الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ».
وقد ظهر مما
تقدم أن قوله تعالى : «
زادَتْهُمْ إِيماناً » إشارة إلى الزيادة من حيث الكيفية وهو الاشتداد والكمال ، دون الكمية وهي
الزيادة من حيث عدد المؤمنين كما احتمله بعض المفسرين.
قوله
تعالى : « أُولئِكَ هُمُ
الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ
كَرِيمٌ » قضاء منه
تعالى بثبوت الإيمان حقا فيمن اتصف بما عده تعالى من الصفات الخمس ، ولذلك أطلق ما
ذكره لهم من كريم الأجر في قوله : « لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ » الآية فلهؤلاء من صفات الكمال وكريم الثواب وعظيم
الأجر ما لكل مؤمن حقيقي.
وأما قوله : « لَهُمْ دَرَجاتٌ
عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » فالمغفرة هي الصفح الإلهي عند ذنوبهم ، والرزق الكريم
ما يرتزقون به من نعم الجنة ، وقد أراد الله سبحانه بالرزق الكريم الجنة ونعمها في
مواضع من كلامه ، كقوله تعالى : « فَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ
سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ » الحج : ٥١ وغير ذلك.
وبذلك يظهر أن
المراد بقوله : « لَهُمْ
دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ » مراتب القرب والزلفى ودرجات الكرامة المعنوية ، وهو كذلك. فإن المغفرة
والجنة من آثار مراتب القرب من الله سبحانه وفروعه البتة.
والذي يشتمل
عليه الآية من إثبات الدرجات لهؤلاء المؤمنين ، هو ثبوت جميع الدرجات لجميعهم ، لا
ثبوت جميعها لكل واحد منهم فإنها من لوازم الإيمان ، والإيمان مختلف ذو مراتب
فالدرجات الموهوبة بإزائه كذلك لا محالة ، فمن المؤمنين من له
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 9 صفحه : 12