responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي    جلد : 7  صفحه : 80

وأما لو تميز من أول الأمر إرادة ففعله من غير مهل ولم يحتج إلى ترو أصلا فالإنسان يختار ما يرى نفعه بترو أو من غير ترو ولا تروي إلا لرفع الموانع عن الحكم.

ثم إنك إذا تأملت حال أفراد الإنسان المختارين في أفعالهم وجدتهم ذوي اختلاف شديد في مبادئ اختيارهم أعني الصفات الروحية والأحوال الباطنية من شجاعة وجبن وعفة وشره ونشاط وكسل ووقار وخفة ، وكذا في قوة التعقل وضعفه وإصابة النظر وخطائه فكثيرا ما يرى الشره نفسه مضطرة مسلوبة الاختيار في موارد يشتهي الانهماك فيها لا يعبأ بأمرها العفيف المتطهر ، وربما يرى الجبان أدنى أذى يصيبه في مهمة أو مقتلة عذرا لنفسه ينفي عنه الاختيار ، ولا يرى الشجاع الباسل الآبي عن الضيم الموت الأحمر وأي زجر بدني أمرا فوق الطاقة ، ولا يرى لأي مصيبة هائلة في سبيل مقاصده من بأس ، وربما اختار السفيه خفيف العقل بأدنى تصور ، واه ولا يرى العاقل اللبيب ترجيح الفعل بأمثال تلك المرجحات إلا تلهيا ولعبا ، وأفعال الصبيان غير المميزين اختيارية معها بعض التروي ولا يعبأ بها وبأمرها البالغ الرشيد ، وكثيرا ما نعد في محاوراتنا فعلا من أفعالنا اضطراريا أو إجباريا إذا قارن أعذارا اجتماعية غير ملزمة بحسب الحقيقة كشارب الدخان يعتذر بالعادة ، والنومة يعتذر بالكسل والسارق أو الخائن يعتذر بالفقر.

وهذا الاختلاف الفاحش في مبادئ الاختيار وأسبابه والعرض العريض في مستوى الأفعال الاختيارية هو الذي بعث الدين وسائر السنن الاجتماعية أن يحدوا الفعل الاختياري بما يراه المتوسط من أفراد المجتمع الإنساني اختياريا ، ويبنوا على ذلك صحة تعلق الأمر والنهي والعقاب والثواب ونفوذ التصرف وغير ذلك ، ويعذروا من لم يتحقق فيه ما يتحقق في الفعل الاختياري الذي يأتي به الإنسان المتوسط من المبادي والأسباب ، وهو المتوسط من الاستطاعة والفهم.

فهذا الوسط المعدود اختيارا النافي لاختيارية ما دونه إنما هو كذلك بحسب الحكم الديني أو الاجتماعي المراعى فيه مصلحة الدين أو الاجتماع وإن كان الأمر بحسب النظر التكويني أوسع من ذلك.

والإمعان فيما تقدم يعطي أن يجزم بأن الحيوان غير الإنسان غير محروم من موهبة الاختيار في الجملة وإن كان أضعف مما نجده في المتوسط من الناس من معنى الاختيار

نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي    جلد : 7  صفحه : 80
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست