نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 7 صفحه : 130
قوله
تعالى : « وَهُوَ الَّذِي
يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ » التوفي أخذ الشيء بتمامه ، ويستعمله الله سبحانه في كلامه
بمعنى أخذ الروح الحية كما في حال الموت كما في قوله في الآية التالية : « حَتَّى إِذا جاءَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ».
قد عد الإنامة
توفيا كما عد الإماتة توفيا على حد قوله : « اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها
وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها » : ( الزمر : ٤٢ ) لاشتراكهما في انقطاع تصرف النفس في
البدن كما أن البعث بمعنى الإيقاظ بعد النوم يشارك البعث بمعنى الإحياء بعد الموت
في عود النفس إلى تصرفها في البدن بعد الانقطاع ، وفي تقييد التوفي بالليل كالبعث
بالنهار جري على الغالب من أن الناس ينامون بالليل ويستيقظون بالنهار.
وفي قوله تعالى
«
يَتَوَفَّاكُمْ » دلالة على أن الروح تمام حقيقة الإنسان الذي يعبر عنه بأنا لا كما ربما
يتخيل لنا أن الروح أحد جزئي الإنسان لا تمامه أو أنها هيئة أو صفة عارضة له ،
وأوضح منه دلالة قوله تعالى : «
وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ
بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ ، قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي
وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ» : ( السجدة : ١١ ) فإن استبعاد الكفار مبني على أن
حقيقة الإنسان هو البدن الذي يتلاشى ويفسد بانحلال التركيب بالموت فيضل في الأرض ،
والجواب مبني على كون حقيقته هو الروح ( النفس ) وإذ كان ملك الموت يتوفاه ويقبضه
فلا يفوت منه شيء.
وقوله : « وَيَعْلَمُ ما
جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ » الجرح هو الفعل بالجارحة والمراد به الكسب أي يعلم ما كسبتم
بالنهار ، والأنسب أن يكون الواو حالية والجملة حالا من فاعل يتوفاكم ، ويتصل
حينئذ قوله : « ثُمَّ
يَبْعَثُكُمْ فِيهِ » بقوله : «
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ » إلخ ، من غير تخلل معنى أجنبي فإن الآيتين في مقام شرح
وقوع التدبير الإلهي بالإنسان في حياته الدنيا وعند الموت وبعده حتى يرد إلى ربه ،
والأصل العمدة من جمل الآيتين المسرودة لبيان هذا المعنى قوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي
يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ
يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ـ أي في النهار ـ لِيُقْضى أَجَلٌ
مُسَمًّى وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ. ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ
مَوْلاهُمُ الْحَقِ » فهذا هو الأصل في المقصود ، وما وراء ذلك مقصود بالتبع ، والمعنى وهو
الذي يتوفاكم بالليل والحال أنه يعلم ما كسبتم في النهار ، ثم يبعثكم في النهار
إلخ.
قوله
تعالى : « ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ
فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى » إلخ. سمي الإيقاظ والتنبيه بعثا محاذاة لتسمية الإنامة
توفيا وجعل الغرض من البعث قضاء الأجل المسمى وهو الوقت
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 7 صفحه : 130