نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 6 صفحه : 268
به من المكر والخديعة حتى هاج به الوجد والأسف وأخذته الغيرة الإلهية فدعا
عليهم فقال : « رَبِّ لا
تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ
يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً » : نوح : ٢٧.
وما ذكره من
إضلالهم عباد الله إن تركهم الله على الأرض هو الذي ذكره عنهم في ضمن كلامه السابق
المحكي عنه : « وَقَدْ
أَضَلُّوا كَثِيراً » وقد أضلوا كثيرا من المؤمنين به فخاف إضلالهم الباقين منهم ، وقوله : « وَلا يَلِدُوا إِلَّا
فاجِراً كَفَّاراً » إخبار ببطلان استعداد أصلابهم وأرحامهم أن يخرج منها مؤمن ؛ ذكره ـ وهو
من أخبار الغيب ـ عن تفرس نبوي ووحي إلهي.
وإذا دعا على
الكافرين لغيرة إلهية أخذته ، وهو النبي الكريم أول من جاء بكتاب وشريعة ، وانتهض
لإنقاذ الدنيا من غمرة الوثنية ولم يلبه من المجتمع البشري إلا قليل ـ وهو قريب من
ثمانين نسمة على ما في الأخبار ـ فكان من أدب هذا الموقف أن لا ينسى المؤمنين بربه
الآخذين بدعوته ، ويدعو لهم إلى يوم القيامة بالخير.
فقال : « رَبِّ اغْفِرْ لِي » فبدأ بنفسه لأن الكلام في معنى طلب المغفرة لمن يسلك
سبيله فهو إمامهم وأمامهم «
وَلِوالِدَيَّ » وفيه دليل على إيمانهما «
وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً » وهم المؤمنون به من أهل عصره « وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِناتِ » وهم جميع المؤمنين أهل التوحيد فإن قاطبتهم أمته ، ورهن منته إلى يوم
القيامة ، وهو أول من أقام الدعوة الدينية في الدنيا بكتاب وشريعة ، ورفع أعلام
التوحيد بين الناس ، ولذلك حياة الله سبحانه بأفضل تحيته إذ قال : « سَلامٌ عَلى نُوحٍ
فِي الْعالَمِينَ » : الصافات : ٧٩ فعليه السلام من نبي كريم كلما آمن بالله مؤمن ، أو عمل
له بعمل صالح ، وكلما ذكر لله عز اسمه اسم ، وكلما كان في الناس من الخير والسعادة
رسم ؛ فذلك كله من بركة دعوته ، وذنابة نهضته ، صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء
والمرسلين أجمعين.
ومن
ذلك ما حكاه الله
تعالى عن إبراهيم عليهالسلام في محاجته قومه : « (قالَ أَفَرَأَيْتُمْ
ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ، أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ، فَإِنَّهُمْ
عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ ، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ،
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ، وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ،
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي
خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ، رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي
نام کتاب : الميزان في تفسير القرآن نویسنده : العلامة الطباطبائي جلد : 6 صفحه : 268